للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يعلم إلا بالوحي، فليس هذا لغير النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأصحاب هذا القول كأنَّهم ظنُّوا أنَّها إذا كانت مطلقةً تكون لازمةً مؤبَّدةً كالذمة، فلا تجوز بالاتفاق. وأن (١) تكون الهُدنة لازمةً مؤبَّدةً فلا بُدَّ من تَوفيتها، وذلك أنَّ الله عز وجل أمر بالوفاء ونهى عن الغدر، والوفاء لا يكون إلا إذا كان العقد لازمًا.

والقول الثاني ــ وهو الصواب ــ أنَّه يجوز عقدُها مطلقةً وموقتةً، فإذا كانت موقَّتةً جاز أن تجعل لازمةً، ولو جعلت جائزةً بحيث يجوز لكل منهما فسخُها متى شاء كالشركة والوكالة والمضاربة ونحوها جاز ذلك، لكن بشرط أن يُنبَذ إليهم على سواء.

ويجوز عقدها مطلقةً، وإذا كانت مطلقةً لم يمكن أن تكون لازمة التأبيد، بل متى شاء نقضها. وذلك أنَّ الأصل في العقود أن تُعقَد على أي صفةٍ كانت فيها المصلحة، والمصلحة قد تكون في هذا وهذا.

وللعاقد أن يعقد العقد لازمًا من الطرفين، وله أن يعقده جائزًا يمكن فسخه إذا لم يمنع من ذلك مانعٌ شرعي. وليس هنا مانعٌ، بل هذا قد يكون هو المصلحة، فإنه إذا عقد عقدًا إلى مدةٍ طويلةٍ فقد تكون مصلحة المسلمين في محاربتهم قبل تلك المدة. فكيف إذا كان ذلك قد دل عليه الكتاب والسنة؟


(١) كذا في الأصل، ولعله تصحيف «وإذْ».