للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشركٌ، ولا يطوفَنَّ بالبيت عريانٌ» (١). وأما نبذ العهود، فإنَّما تولَّاه علي - رضي الله عنه - (٢)، لأجل العادة التي كانت في العرب.

وأيضًا: فالأمان الذي كان لحُجَّاج البيت لم يكن بعهدٍ من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمانٍ منه، بل كان هذا دينَهم في الجاهلية، وقام الإسلام عليه حتى أنزل الله: {يَاأَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا اُلْمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨]. فبهذه الآية منعوا، لا بالبراءة من المعاهَدين. وقد كان أنزل الله فيهم: {يَاأَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اَللَّهِ وَلَا اَلشَّهْرَ اَلْحَرَامَ وَلَا اَلْهَدْيَ وَلَا اَلْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ اَلْبَيْتَ اَلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} [المائدة: ٢]، فنُهُوا عن التعرُّض لقاصديه مطلقًا، ثم لمَّا مُنِع منه المشركون، وعَلِموا أنَّهم ممنوعون من جهة الله تعالى، كان من أمَّنهم بعد ذلك ظالمًا لنفسه محاربًا لله ورسوله.

وأمَّا القتل في الشهر الحرام فقد كان محرمًا بقوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ اِلشَّهْرِ اِلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٧]. وفي نَسْخه قولان للسلف، فإن كان لم يُنسَخ لم يكن في الآية إذن فيه، وإن كان منسوخًا فليس في البراءة ما يدل على نسخه، ولا قال أحدٌ من السلف: إن هذه الآية أباحت القتال في الشهر الحرام، وإنها الناسخة لتحريمه. فإن هذه الآية إنما فيها البراءة من المعاهَدين، والشهرُ الحرام كان تحريمه عامًّا، فلم يكن يجوز أن


(١) أخرجه البخاري (٣٦٩) ومسلم (١٣٤٧) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) جاء التصريح بذلك في رواية البخاري. وانظر: «مسند أحمد» (٤) و «تفسير الطبري» (١١/ ٣٠٩ - ٣١٧).