للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهم عهدٌ موقَّتٌ وهم به موفون.

وقالت طائفةٌ من أصحاب الشافعي وأحمد: بل العهد الذي أمر بنبذه إنما هو مَنْعهم من البيت وقتالهم في الشهر الحرام. قالوا ــ وهذا لفظ القاضي أبي يعلى ــ: «وفصل الخطاب في هذا الباب: أنه قد كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين جميع المشركين عهدٌ، وهو أن لا يُصَدَّ أحدٌ عن البيت، ولا يُخاف أحدٌ في الشهر الحرام، فجعل الله عهدهم أربعة أشهرٍ، وكان بينه وبين أقوامٍ منهم عهودٌ إلى أجلٍ مسمًّى، فأمر بالوفاء لهم وإتمام عهدهم إذا لم يخشَ غدرَهم».

وهذا أيضًا ضعيفٌ جدًّا، وذلك أنَّ منعهم من البيت حكمٌ أُنزل في غير هذه الآية في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا اُلْمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨]، وهذا المعنى غير معنى قوله: {بَرَاءَةٌ مِّنَ اَللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى اَلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ اَلْمُشْرِكِينَ (١)}.

وأيضًا: فمنعهم عن المسجد الحرام عامٌّ فيمن كان له عهدٌ ومن لم يكن له عهدٌ، والبراءة خاصةٌ بالمعاهدين كما قال تعالى: {بَرَاءَةٌ مِّنَ اَللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى اَلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ اَلْمُشْرِكِينَ (١) ولم يقل: (إلى جميع المشركين) كما قال هناك: {إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا اُلْمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ}.

وأيضًا: فمن له أجلٌ يُوفَى له إلى أجله، وهم الذين عاهدوه، فما استقاموا لهم يستقيم لهم، ومع هذا فهم ممنوعون من المسجد الحرام.

وأيضًا: فالمنع من المسجد الحرام كان ينادي به أبو بكر وأعوانه علي وغيره رضي الله عنهم أجمعين، فينادون يوم النحر: «لا يَحُجَّنَّ بعد العام