للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للكبار، فإنكارُ أبي عبد الله عليه متوجِّهٌ، وإن أراد أنَّه مُهيَّأٌ للمعرفة، وأنَّ المعرفة فيه بالقوة كما هو مُهيَّأٌ للعقل (١) والنطق لم يلزمه ما ذكره أبو عبد الله، كما إذا قيل: يُولَد ناطقًا عاقلًا، بحيث إذا عَقَل عرف ربَّه بتلك القوة التي أودَعَها اللهُ فيه دون الجمادات، بحيث لو خُلِّي وما فُطِر عليه ولم تُغيَّر فطرتُه لكان عارفًا بربَّه موحِّدًا له محِبًّا له.

فإن قيل: أبو عبد الله لم يُنكر هذا، وإنما أنكر أن يكون المراد بالفطرة الميثاق الأول الذي أخذه الله سبحانه من بني آدم من ظهورهم حين أشهدهم على أنفسهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} فأقرُّوا بذلك، ولا ريبَ أنَّ هذه المعرفة والإقرار غير حاصلٍ (٢) من الطفل، فصحَّ إنكار أبي عبد الله.

قيل: ابن قتيبة إنَّما قال: الفطرة هي خلقه في كل مولودٍ معرفةً بربه على معنى قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ} الآية. وهذا لا يلزم منه أن تكون المعرفة حاصلةً في المولود بالفعل (٣)، وتشبيهه (٤) الحديثَ بالآية في هذا المعنى لا يدلُّ على أنَّ الميثاق الذي ذُكر في الآية هو المعرفة الفعلية قبل خروجهم إلى الدنيا أحياءً ناطقين، وإن كان هذا قد قاله غير واحدٍ من السلف والخلف، فلا يلزم ابن قتيبة أن يختار هذا القول، بل هذا من حسن فهمه في القرآن والسنة أنْ حمَلَ الحديث على الآية، وفسَّر كلًّا


(١) في الأصل والمطبوع: «للفعل»، والمثبت من هامش الأصل هو الصواب، وسيأتي قريبًا: «يولد ناطقًا عاقلًا».
(٢) كذا في الأصل، وغيَّره صبحي الصالح إلى «غير حاصلَين».
(٣) في هامش الأصل: «بالعقل»، خطأ.
(٤) في هامش الأصل: «وتفسيره».