للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهما بالآخر. وقد قال هذا غير واحدٍ من أهل العلم قبله وبعده (١).

وأحسن ما فسِّرت به الآية قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه»، فالميثاق الذي أخذه سبحانه عليهم، والإشهاد الذي أشهدهم على أنفسهم، والإقرار الذي أقرُّوا به= هو الفطرة التي فطروا عليها، لأنَّه سبحانه احتجَّ عليهم بذلك، وهو لا يحتجُّ عليهم بما لا يعرفه أحدٌ منهم ولا يذكره، بل بما يشتركون (٢) في معرفته والإقرار به.

وأيضًا، فإنَّه قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ} ولم يقل: من آدم. ثم قال: {ظُهُورِهِمْ} ولم يقل: من ظهرهم. ثم قال: {ذُرِّيَّاتِهِمْ} ولم يقل: ذريته.

ثم قال: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}، وهذا يقتضي إقرارَهم بربوبيته إقرارًا تقوم عليهم به الحجة. وهذا إنَّما هو الإقرار الذي احتجَّ به عليهم على ألسنة رسله كقوله تعالى: {قَالَتْ رُسْلُهُمْ أَفِي اِللَّهِ شَكّ} [إبراهيم: ١٣]، وقولِه (٣): {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اَللَّهُ} [الزخرف: ٨٧]،: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اَللَّهُ} [لقمان: ٢٤]،: {قُل لِّمَنِ اِلْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٥) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: ٨٥ - ٨٦]، ونظائرُ ذلك كثيرةٌ؛ يحتج عليهم بما فُطِروا عليه من


(١) ممن حمل الحديث على الآية: الحسن البصري كما عند الطبري (١٠/ ٥٥١)، وحماد بن سلمة كما عند أبي داود (٤٧١٦).
(٢) رسمه في الأصل: «يشركون»، ولعل المثبت الصواب.
(٣) في الأصل: «وقولهم»، خطأ.