الإقرار بربهم وفاطرهم، ويدعوهم بهذا الإقرار إلى عبادته وحده، وأن لا يشركوا به شيئًا. هذه طريقة القرآن.
ومن ذلك هذه الآية التي في الأعراف وهي قوله:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ} الآية، ولهذا قال في آخرها: {أَن يَقُولُوا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢) أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ اَلْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: ١٧٢ - ١٧٣]. فاحتج عليهم بما أقرُّوا به من ربوبيته على بطلان شركهم وعبادة غيره، وأن لا يعتذروا، إمَّا بالغفلة عن الحق، وإمَّا بالتقليد في الباطل، فإنَّ الضلال له سببان: إمَّا غفلةٌ عن الحق، وإمَّا تقليد أهل الضلال.
فتطابق الحديثُ مع الآية وتبيَّن معنى كلٍّ منهما بالآخر. فلم يقع ابن قتيبة في مُعانَدة ربِّ العالمين ولا جهل الكتاب، ولا خرج عن المعقول. ولكن لمَّا ظنَّ أبو عبد الله أنَّ معنى الآية أنَّ الله سبحانه أخرجهم أحياءً ناطقين من صلب آدم في آنٍ واحدٍ، ثم خاطبهم وكلَّمهم وأخَذَ عليهم الميثاقَ وأشهدهم على أنفسهم بربوبيته، ثم ردَّهم في ظهره، وأنَّ أبا محمد فسَّر الفطرة بهذا المعنى بعينه ألزمه ما ألزمه.
ثم قال أبو عبد الله (١): واحتج ــ يعني ابن قتيبة ــ بقوله تعالى: {اِلْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ اِلسَّمَاوَاتِ}[فاطر: ١] يعني: خالقها، وبقوله تعالى عن مؤمن آل
(١) في الأصل: «أبو محمد»، سبق قلم، فإن الكلام لأبي عبد الله محمد بن نصر في الرد على أبي محمد ابن قتيبة.