للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تلك الفطرة لمَا سألوه، والعلم القديم والكتاب السابق لا يتغيَّر.

وقوله: «فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجِّسانه» (١) بيَّن فيه أنَّهم يغيِّرون الفطرة المخلوق عليها بذلك.

وأيضًا: فإنَّه شبَّه ذلك بالبهيمة التي تُولَد مجتمعةَ الخلق لا نقصَ فيه (٢)، ثم تُجدَع بعد ذلك، فعُلِم أنَّ التغيُّر واردٌ على الفطرة السليمة التي وُلِد العبد عليها.

وأيضًا: فالحديث مطابقٌ لقوله تعالى: {فِطْرَتَ اَللَّهِ اِلَّتِي فَطَرَ اَلنَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٢٩]. وهذا يعُمُّ جميعَ الناس، فعُلِم أنَّ الله فطَرَ الناس كلَّهم على فطرته المذكورة، و {فِطْرَتَ اَللَّهِ} أضافها إليه إضافة مدحٍ لا إضافة ذمٍّ، فعُلِم أنَّها فطرةٌ محمودةٌ لا مذمومةٌ.

يبيِّن ذلك: أنَّه قال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اَللَّهِ اِلَّتِي فَطَرَ اَلنَّاسَ عَلَيْهَا}، وهذا نَصْبٌ على المصدر الذي دلَّ عليه الفعل الأوَّل عند سيبويه وأصحابه، فدلَّ على أنَّ إقامة الوجه للدِّين حنيفًا هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، كما في نظائره مثل قوله: {كِتَابَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٤]، وقوله: {سُنَّةَ اَللَّهِ [اِلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ] وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اِللَّهِ تَبْدِيلًا} (٣) [الفتح: ٢٣]. فهذا عندهم مصدرٌ منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ لازمٍ إضمارُه، دلَّ عليه الفعل المتقدم، كأنَّه قال: كتبَ الله ذلك عليكم، وكذلك


(١) سبق تخريجه.
(٢) أي: في الخلق. في المطبوع: «فيها»، خلاف الأصل.
(٣) ما بين الحاصرتين سقط من الأصل.