للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الحكمة تختص بأهل الكتاب دون عَبَدة الأوثان، فبقاؤهم من أقوى الحجج على منكري النبوات والمعاد والتوحيد، وقد قال الله تعالى لمنكري ذلك: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، ذكر هذا عقب قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]، يعني: سلوا أهل الكتاب هل أرسلنا قبل محمد رجالًا يوحى إليهم أم كان محمد بِدْعًا من الرسل لم يتقدمه رسولٌ، حتى يكون إرساله أمرًا منكرًا لم يَطْرُقِ العالمَ رسولٌ قبله؟

وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: ٤٤]، والمراد بسؤالهم سؤال أممهم عما جاؤوهم به: هل فيه أن الله شرع لهم أن يُعبدَ من دونه إلهٌ غيره؟

قال الفراء (١): المراد سؤال أهل التوراة والإنجيل، فيخبرونه عن كتبهم وأنبيائهم.

وقال ابن قتيبة (٢): التقدير: واسألْ من أرسلنا إليهم رُسُلًا من قبلك، وهم أهل الكتاب.

وقال ابن الأنباري (٣): التقدير: وسَلْ تُبَّاعَ (٤) من أرسلنا من قبلك.


(١) في "معاني القرآن" (٣/ ٣٤).
(٢) في "تفسير غريب القرآن" (ص ٣٩٩)، و"تأويل مشكل القرآن" (ص ٢٠٩، ٢١٠).
(٣) كما في "الوسيط" للواحدي (٤/ ٧٥)، و"البسيط" له (٢٠/ ٥٢)، و"زاد المسير" (٧/ ٣١٩).
(٤) "تباع" ساقطة من المطبوع. وهي جمع "تابع". وفي بعض المصادر: "أتباع". وهو جمع تبع.