وعلى كل تقديرٍ، فالمراد التقرير لمشركي قريشٍ وغيرهم ممن أنكر النبوات والتوحيد، وأن الله أرسل رسولًا أو أنزل كتابًا أو حرَّم عبادة الأوثان. فشهادة أهل الكتاب بهذا حجةٌ عليهم، وهي من أعلام صحة رسالته - صلى الله عليه وسلم -، إذ كان قد جاء على ما جاء به إخوانه الذين تقدَّموه من رسل الله سبحانه، ولم يكن بِدْعًا من الرسل، ولا جاء بضدِّ ما جاؤوا به، بل أخبر بمثل ما أخبروا به من غير شاهدٍ (١) ولا اقترانٍ في الزمان، وهذا من أعظم آيات صدقه.
وقال تعالى:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}[يونس: ٩٤]. وقد أشكلت هذه الآية على كثيرٍ من الناس، وأورد اليهودُ والنصارى على المسلمين فيها إيرادًا وقالوا: كان في شكٍّ فأُمِر أن يسألنا. وليس فيها بحمد الله إشكالٌ، وإنما أُتِي أشباهُ الأنعام من سوء قصدهم وقلة فهمهم، وإلّا فالآية من أعلام نبوته صلوات الله وسلامه عليه. وليس في الآية ما يدل على وقوع الشك ولا السؤال أصلًا، فإن الشرط لا يدل على وقوع المشروط بل ولا على إمكانه، كما قال تعالى:{كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢]، وقوله:{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}[الإسراء: ٤٢]، وقوله:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}[الزخرف: ٨١]، وقوله:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر: ٦٢]، ونظائره، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يشكَّ ولم يسألْ.