للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسه، قال تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ اِلْوَالِدَيْنِ وَاَلْأَقْرَبِينَ} [النساء: ١٣٤]، كما احتج الفقهاء بذلك على صحة الإقرار. وفي حديث ماعز بن مالك (١): «فلما شهد على نفسه أربع مرَّاتٍ»، أي: أقرَّ أربع مرَّاتٍ.

وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسْجِدَ اَللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ} [التوبة: ١٧]، فإنَّهم كانوا مُقرِّين بما هو كفرٌ، فكان ذلك شهادتهم على أنفسهم. ومنه قوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ اُلْحَيَاةُ اُلدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: ١٣١]، فشهادتهم على أنفسهم هو إقرارهم، وهو أداء الشهادة على أنفسهم.

ولفظ «شَهِد فلانٌ» و «أَشْهَدَ به» يراد به تحمُّل الشهادة ويراد به أداؤها، فالأول كقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [الطلاق: ٢]، والثاني كقوله: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} [النساء: ١٣٥]. وقولُه: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} من هذا الثاني، ليس المراد أنَّه جعلهم يتحمَّلون الشهادة على أنفسهم ويؤدُّونها في وقتٍ آخر، فإنَّه سبحانه في مثل ذلك إنَّما يُشهِد على الرجل غيرَه، كما في قصة آدم لمَّا أشهد عليه الملائكة، وكما في شهادة الملائكة وشهادة الجوارح على أصحابها. ولهذا قال بعض المفسرين: المعنى: أشهَدَ بعضَهم على بعضٍ (٢)، لكن هذا اللفظ حيث جاء


(١) أخرجه مسلم (١٦٩٥) وغيره من حديث بُرَيدة بن الحُصَيب - رضي الله عنه -.
(٢) هو قول الطبري (١٠/ ٥٤٦).