للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في القرآن إنَّما يُراد به شهادة الرجل على نفسه، بمعنى أداء الشهادة على نفسه.

وقولهم: {بَلَى شَهِدْنَا} هو إقرارهم بأنَّه ربُّهم، ومن أخبر بأمر عن نفسه فقد شَهِد به على نفسه، فإنَّ قولهم: {بَلَى شَهِدْنَا} معناه: أنت ربُّنا. وهذا إقرارٌ منهم بربوبيته لهم، وجعلهم شهداء على أنفسهم بما أقرُّوا به. وقوله: {وَأَشْهَدَهُمْ} يقتضي أنَّه هو الذي جعلهم شاهدين على أنفسهم بأنَّه ربُّهم.

وهذا الإشهاد مقرون بأخذهم من ظهور آبائهم. وهذا الأخذ المعلوم المشهود الذي لا ريبَ فيه هو أخذ المني من أصلاب الآباء ونزولُه في أرحام الأمهات، لكن لم يذكر هنا الأمهات، كقوله: {أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ}، وهم كانوا مُتَّبِعين لدين آبائهم لا لدين الأمهات، كما قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: ٢٢]. ولهذا قال: {قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف: ٢٣].

فهو سبحانه يقول: اذكر حين أُخِذُوا من أصلاب الآباء فخُلِقوا حين وُلِدوا على الفطرة مقرِّين بالخالق، شاهدين على أنفسهم بأنَّ الله ربُّهم. فهذا الإقرار حجةٌ لله عليهم يوم القيامة، فهو يذكر أخذه لهم، وإشهاده إياهم على أنفسهم، فإنَّه سبحانه خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، فأخْذُهم يتضمَّن خلْقَهم، والإشهاد يتضمَّن هُداه لهم إلى هذا الإقرار، فإنَّه قال: {أَشْهَدَهُمْ} أي: جعلهم شاهدين، فهذا الإشهاد من لوازم الإنسان، وكل إنسان جعله الله مُقِرًّا بربوبيَّته شاهدًا على نفسه بأنَّه مخلوقٌ واللهُ خالقه. وهذا أمرٌ ضروري لبني آدم لا ينفكُّ منه مخلوقٌ، وهو مما جُبِلوا عليه، فهو علمٌ ضروري لهم لا يمكن أحدًا جحدُه.