للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال بعد ذلك: {أَن يَقُولُوا} أي: كراهية أن يقولوا، أو (١): لئلا يقولوا: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}، أي: عن هذا الإقرار لله بالربوبية، وعلى نفوسنا بالعبودية، فإنَّهم ما كانوا غافلين عن هذا، بل كان هذا من العلوم الضرورية اللازمة لهم التي لم يخلُ منها بشرٌ قط، بخلاف كثير من العلوم التي قد تكون ضروريةً ولكن قد يغفُل عنها كثيرٌ من بني آدم، من علوم العدد والحساب وغير ذلك، فإنَّها إذا تُصوِّرت كانت علومًا ضروريةً، لكن كثيرٌ من الناس غافلٌ عنها. وأمَّا الاعتراف بالخالق فإنَّه علمٌ ضروري لازمٌ للإنسان لا يغفُل عنه أحدٌ بحيث لا يعرفه، بل لا بدَّ أن يكون قد عرفه، وإن قُدِّر أنَّه نسيه. ولهذا يُسمَّى التعريف بذلك تذكيرًا، فإنَّه تذكيرٌ بعلومٍ فِطريةٍ ضروريةٍ، وقد ينساها العبد كما قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ نَسُوا اُللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} [الحشر: ١٩]، وفي الحديث الصحيح: «يقول الله للكافر: فاليوم أنساك كما نسيتَني» (٢).

ثم قال: {أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ اَلْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: ١٧٣]، فذكر سبحانه لهم حُجَّتين يدفعهما هذا الإشهاد:

إحداهما: أن يقولوا: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}، فبيَّن أنَّ هذا علمٌ فطري ضروري لا بدَّ لكلِّ بشرٍ من معرفته. وذلك يتضمَّن حجة الله في إبطال


(١) في الأصل: واو العطف، ولعل المثبت أشبه.
(٢) أخرجه مسلم (٢٩٦٨) وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.