للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التعطيل، وأنَّ القول بإثبات الصانع علمٌ فطري ضروري، وهو حجةٌ على نفي التعطيل.

والثاني: أن يقولوا: {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ اَلْمُبْطِلُونَ}، وهم آباؤنا المشركون. أي: أفتعاقبنا بذنوب غيرنا؟ فإنَّه لو قُدِّر أنَّهم لم يكونوا عارفين بأنَّ الله ربُّهم ووجدوا آباءَهم مشركين وهم ذريةٌ مِن بعدهم، ومقتضى الطبيعة العادية أنَّ يحتذي الرجلُ حذوَ أبيه حتى في الصناعات والمساكن والملابس والمطاعم، إذ كان هو الذي ربَّاه، ولهذا كان أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه؛ فإذا كان هذا مقتضى العادة والطبيعة، ولم يكن في فطرهم وعقولهم ما يناقض ذلك= قالوا (١): نحن معذورون، وآباؤنا هم الذين أشركوا، ونحن كنَّا ذريةً لهم بعدهم، ولم يكن عندنا ما يبيِّن خطأهم. فإذا كان في فطرهم ما شهدوا به مِن أنَّ الله وحدَه هو ربُّهم، كان معهم ما يبيِّن بطلان هذا الشرك، وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم. فإذا احتجوا بالعادة الطبيعية من اتباع الآباء كانت الحجةَ عليهم الفطرةُ الطبيعيَّة الفعلية (٢) السابقة لهذه العادة الطارئة، وكانت الفطرةُ الموجِبةُ للإسلام سابقةً للتربية التي يحتجُّون بها.

وهذا يقتضي أنَّ نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجةٌ في بطلان الشرك، لا يحتاج ذلك إلى رسولٍ، فإنَّه جعل ما تقدَّم حُجَّةً عليهم بدون هذا.


(١) جواب «إذا» أغنى عن جواب «لو قدِّر ... ».
(٢) في هامش الأصل: «القولية».