للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متقدِّمٍ على وجود العبد. وهو حقٌّ لا ريبَ فيه، ولا نزاعَ فيه بين الصحابة والتابعين وجميع أهل السنة، ولكن لا ينافي كونَ الطفل قد خُلِق على الفطرة التي هي دين الله، فإنَّ القدر السابق والعلم القديم اقتضى أن تهيَّأ له أسبابٌ تُخرِجه عن هذه الفطرة.

وقوله: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اِللَّهِ} [الروم: ٢٩]، أي (١): لا يقدر أحدٌ أن يغيِّر الخِلقة التي خَلَق عليها عبادَه وفطرهم عليها مِن أنَّهم لو خُلُّوا ونفوسَهم لكانوا على الحنيفية. فخَلْقُهم على هذا الوجه لا تغييرَ له، وإنَّما التغيير بأسبابٍ طارئةٍ جاريةٍ على الخلقة.

وأمَّا قوله تعالى: {هُوَ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ} [التغابن: ٢]، فغايته أن يدلَّ على أنَّه خلق الكافر كافرًا، والمؤمن مؤمنًا. وهذا متفق عليه بين الصحابة وجميع أهل السنة، وليس فيه ما ينفي كونَهم مخلوقين على فطرة الإسلام، ثم خُلِق لهم أسبابٌ أخرجَتْ من أخرجته منهم عنها.

وأمَّا قوله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: ٢٨]، فقال سعيد بن جبيرٍ: كما كَتَب عليكم تكونون. وقال مجاهدٌ: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} شقيًّا وسعيدًا. وقال أيضًا: يبعث المسلم مسلمًا والكافر كافرًا. وقال أبو العالية: عادوا إلى علمه فيهم: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمِ اِلضَّلَالَةُ} (٢).


(١) في الأصل: «أن»، ولعل المثبت أشبه.
(٢) الآثار أخرجها الطبري (١٠/ ١٤٣ - ١٤٥). والمؤلف صادر عن «درء التعارض» (٨/ ٤١٢).