للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يتضمَّن إثباتَ علمه وقدره السابق، وأنَّ الخلق يصيرون إليه لا محالة. وكون هذا مراد الآية غير متعيِّنٍ، فإنَّ الآية اقتضت حكمين:

أحدهما: أنَّه يُعيدهم كما بدأهم، على عادة القرآن في الاستدلال على المعاد بالبَدْأة.

والثاني: أنَّه سبحانه هدى فريقًا وأضلَّ فريقًا، فالأمر كلُّه له: بدؤهم وإعادتهم، وهداية من هدى منهم، وإضلال من أضلَّ منهم؛ وليس في شركائهم مَن يفعل شيئًا من ذلك.

وأمَّا أمر الملك بكَتْب شقاوة العبد وسعادته في بطن أمِّه، وقوله: الشقي من شقي في بطن أمه (١) = فحقٌّ لا يُخالِف فيه أحدٌ من أهل السنة، بل قد اتفقت كلمتهم وكلمة الصحابة قبلَهم على ذلك.

وأمَّا حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في الغلام الذي قتله الخَضِر أنَّه طبع يوم طبع كافرًا (٢)، فمثل ذلك سواءً. «وكافرًا» حالٌ مقدَّرةٌ لا مقارنةٌ، أي طبع مقدَّرًا كفرُه، وإلا فهو في حال كونه جنينًا وطفلًا لا يعقل كفرًا ولا إيمانًا.

فإن قيل: فإذا كان هكذا فلِمَ قتله الخَضِر؟ فالجواب ما قاله لموسى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: ٨١]، فالله تعالى أمره بقتل ذلك الغلام لمصلحةٍ، وأَمَر رسولَه - صلى الله عليه وسلم - بالكفِّ عن قتل النساء والذرية لمصلحةٍ، فكان في كلٍّ مِن أمرَيه (٣) مصلحةٌ وحكمةٌ ورحمةٌ يشهدها أولو الألباب.


(١) هو قول ابن مسعود، وقد سبق قريبًا.
(٢) أخرجه مسلم، وقد تقدم.
(٣) في المطبوع: «في كل ما أمر به»، خلاف الأصل.