للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصحيحة من أنَّهم يُولَدون على الملة، وأنَّ الله خلقهم حنفاء، بل هو مؤيِّدٌ لها.

وأمَّا قوله: إنَّهم في ذلك الإقرار انقسموا إلى طائعٍ وكافرٍ، فهذا لم يُنقَل عن أحد من السلف فيما أعلم إلا عن السُّدِّي في «تفسيره» (١): لمَّا أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يهبطه من السماء مسح صفحة ظهره اليمنى، فأخرج منه ذريةً بيضاء مثلَ اللؤلؤ كهيئة الذَّرِّ، فقال لهم: ادخلوا الجنة برحمتي، ومسح [صفحة] (٢) ظهره اليسرى، فأخرج منه ذريةً سوداء كهيئة الذرِّ، فقال: ادخلوا النار ولا أبالي، وذلك قوله: {وَأَصْحَابُ اُلْيَمِينِ} [الواقعة: ٢٨]، {وَأَصْحَابُ اُلشِّمَالِ} [الواقعة: ٤٣]. ثم أخذ منهم الميثاق، فقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}، فأعطاه طائفةٌ طائعين، وطائفةٌ كارهين على وجه التقيَّة، فقال هو والملائكة: {شَهِدْنَا أَن يَقُولُوا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢) أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ}، فليس أحدٌ من ولد آدم إلا وهو يعرف الله أنَّه ربُّه، وذلك قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي اِلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: ٨٢]، وكذلك قوله: {قُلْ فَلِلَّهِ اِلْحُجَّةُ اُلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: ١٥٠]، يعني يومَ أخذ الميثاق.

قال شيخنا (٣): فهذا الأثر إن كان حقًّا ففيه أنَّ كلَّ ولدِ آدمَ يعرف الله،


(١) أخرجه الطبري (١٠/ ٥٦٠ - ٥٦١) وابن عبد البر في «التمهيد» (١٨/ ٨٥) ــ وابن تيمية صادر عنه ــ من طريق أسباط عن السدي به.
(٢) سقطت من الأصل.
(٣) «درء التعارض» (١٨/ ٤٢٣).