للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«صحيحه» (١).

ولكن يقال: قاعدة الشرع والجزاء أنَّ الله سبحانه لا يُعاقِب العِباد بما سيعلم أنَّهم يفعلونه، بل لا يُعاقِبهم إلا بعدَ فِعلهم ما يعلمون أنَّه نهى عنه وتقدَّم إليهم بالوعيد على فعله. وليس في قصة الخضر شيء من الاطلاع على الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وإنَّما فيها عِلمه بأسبابٍ تقتضي أحكامها، ولم يعلم موسى تلك الأسباب، مثل علمه بأنَّ السفينة كانت لمساكين، وأنَّ وراءهم ملكًا ظالمًا (٢) إن رآها أخذها. فكان قلْعُ لوحٍ منها لتَسلَم جميعُها ثم يُعيده من أحسن الأحكام، وهو من دفع أعظم الشرَّين باحتمال أيسرهما. وعلى هذا، فإذا رأى إنسانٌ ظالمًا يستأصل مالَ مسلمٍ غائبٍ فدفعه عنه ببعضه كان محسنًا، ولم يلزمه ضمانُ ما دفعه إلى الظالم قطعًا، فإنَّه مُحسن وما على المحسنين من سبيل. وكذلك لو رأى حيوانًا مأكولًا لغيره يموت فذكَّاه لكان محسنًا ولم يلزمه ضمانه.

وكذلك كون الجدار لغلامَين يتيمَين وأبوهما كان صالحًا أمرٌ يعلمه الناس، ولكن خفي على موسى.

وكذلك كفر الصبي يمكن أن يعلمه الناسُ حتى أبواه، ولكن لحُبِّهما إياه لا يُنكِران عليه ولا يقبل منهما. وإذا كان الأمر كذلك فليس في الآية حجةٌ على أنَّه قَتل لِما يتوقع من كفره.

ولو قُدِّر أنَّ ذلك الغلام لم يكفر أصلًا، ولكن سبق في علم الله أنَّه إذا بلغ


(١) برقم (١٨١٢/ ١٣٨ - ١٤٠).
(٢) في الأصل: «ملك ظالم».