للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تتعلَّمها من خارج؟ فإن كانت المعرفة تَقِف على أدلةٍ تتعلَّمها من خارج أمكن أن توجد تارةً، وتعدم أخرى. ثم ذلك السبب الخارج امتنع أن يكون مُوجِبًا للمعرفة بنفسه، بل غايته أن يكون مُعرِّفًا ومُذكِّرًا، فعند ذلك إن وجب حصولُ المعرفة كانت المعرفة واجبةَ الحصول عند وجود تلك الأسباب، وإلَّا فلا.

وحينئذٍ فلا يكون فيها إلا قبولُ المعرفة والإيمان إذا وَجَدتْ مَن يعلِّمها أسبابَ ذلك، و [معلوم أن فيها قبولَ الإنكار والكفر إذا وجدت من يعلِّمها] (١) أسبابَ ضدِّه من التهويد والتنصير والتمجيس. وحينئذٍ فلا فرقَ فيها بين الإيمان والكفر، والمعرفة والإنكار، إنَّما فيها قوةٌ قابلةٌ لكلٍّ منهما واستعدادٌ له، لكن يتوقَّف على المؤثِّر الفاعل من خارج. وهذا هو القسم الأول الذي أبطلناه، وبيَّنَّا أنَّه ليس في ذلك مدحٌ للفطرة.

وإن كان فيها قوةٌ تقتضي المعرفة بنفسها ــ وإن لم يوجد من يعلِّمها أدلَّة المعرفة ــ لَزِم حصول المعرفة فيها بدون ما تسمعه (٢) من أدلَّة المعرفة، سواءٌ قيل: إن المعرفة ضروريةٌ فيها، أو تحصل بأسبابٍ كالأدلة التي تنتظم في النفس من غير أن تسمع كلامَ مستدلٍّ، فإنَّ النَّفس بفطرتها قد يقوم بها من النظر والاستدلال ما لا تحتاج معه إلى كلام أحدٍ. فإن كان كلُّ مولود يُولَد على هذه الفطرة، لزم أن يكون المقتضي للمعرفة حاصلًا لكلِّ مولود، وهو المطلوب، والمقتضي التام يستلزم مقتضاه.


(١) ما بين الحاصرتين من «الدرء» (٨/ ٤٤٦)، وبه يستقيم المعنى.
(٢) في هامش الأصل: «تعرفه»، خلاف مصدر النقل.