للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتبيَّن أنَّ أحد الأمرين لازمٌ: إمَّا كون الفطرة مستلزمةً للمعرفة، وإمَّا استواء الكفر والإيمان بالنسبة إليها، وذلك ينفي مدحها.

وتلخيص النكتة أن يقال: المعرفة والإيمان بالنسبة إليها ممكنٌ بلا ريبٍ؛ فإمَّا أن تكون هي مُوجِبةً مُستلزِمةً له، وإمَّا أن يكون مُمكِنًا (١) بالنسبة إليها ليس بواجبٍ لازمٍ لها. فإن كان الثاني لم يكن فرقٌ بين الكفر والإيمان، إذ كلاهما ممكنٌ بالنسبة إليها. فتبيَّن أنَّ المعرفة لازمةٌ لها واجبةٌ، إلا أن يُعارِضها مُعارِضٌ.

فإن قيل: ليست موجِبةً مستلزمةً للمعرفة، ولكنَّها إليها أميل مع قبولها للنكرة.

قيل: فحينئذٍ إذا لم تستلزم المعرفةَ، وُجِدت تارةً وعدمت أخرى، وهي وحدَها لا تُحصِّلها، فلا تحصل إلا بشخص آخر كالأبوين، فيكون الإسلام في ذلك كالتهويد والتنصير والتمجيس. ومعلومٌ أنَّ هذه الأنواع بعضها أبعد عن الفطرة من بعض، لكن مع ذلك لمَّا لم تكن الفطرة مقتضيةً لشيء منها أضيفت إلى السبب. فإن لم تكن الفطرة مقتضيةً للإسلام صارت نسبتها إلى ذلك كنسبة التهويد والتنصير إلى التمجيس، فوجب أن يُذكَر كما ذُكِر ذلك.

وهذا كما لو كانت لم تقتضِ الأكل (٢) إلا بسببٍ منفصل (٣). والنبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) أي: الإيمان. وفي الأصل: «ممكنة»، خلاف مقتضى السباق واللحاق، وخلاف مصدر النقل.
(٢) في الأصل والمطبوع: «الأجل»، تصحيف. والتصحيح من هامش الأصل.
(٣) أي: ولكنه ليس كذلك، فإن الفطرة تقتضيه بنفسها. والسياق في «الدرء» (٨/ ٤٤٨): «وهذا كما أن الفطرة لو لم تقتضِ الأكل عند الجوع مع القدرة عليه، لم يوجد الأكلُ إلا بسببٍ منفصل»، فيحتمل أن يكون المؤلف أثبته كذلك فسقط ما تحته خط من الناسخ لانتقال النظر. ويحتمل أنه اختصره كما هو المثبت، ويؤيده سياق المؤلف في «شفاء العليل» (٢/ ٤٤٦).