للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجه الدلالة من ذلك أنَّ جميع من يُولَد من بني آدم إذا كُتب السعداء منهم والأشقياء قبل أن يُخلَقوا وجب علينا التوقُّف في جميعهم، لأنَّا لا نعلم هذا الذي تُوفِّي منهم: هل هو ممن كُتِب سعيدًا في بطن أمِّه أو كُتِب شقيًّا.

واحتجت هذه الطائفة بما رواه مسلم في «صحيحه» (١) عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: دُعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا! عصفورٌ من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه. قال: «أَوْ (٢) غيرُ ذلك يا عائشة؛ إنَّ الله خلق للجنَّة أهلًا: خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلًا: خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم».

وفي لفظ آخر: «وما يُدريكِ يا عائشة؟» (٣).

قالوا: فهذا الحديث صحيح صريح في التوقُّف فيهم، فإنَّ الصبِيَّ كان من أولاد المسلمين، ودُعِي النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلِّيَ عليه كما جاء ذلك منصوصًا عليه.

قال الآخرون: لا حجة لكم في شيء ممَّا ذكرتم.

أمَّا حديث ابن مسعود وأنس، فإنَّما يدلُّ على أنَّ الله سبحانه كتب سعادة الأطفال وشقاوتهم وهم في بطون أمهاتهم، ولا ينفي أن تكون الشقاوة


(١) رقم (٢٦٦٢/ ٣١).
(٢) قيل في ضبطه: «أَوَ غير ذلك ... ؟» على الاستفهام، لكنه خلاف الظاهر. انظر: «مشارق الأنوار» (١/ ٥٣).
(٣) أخرجه البغوي في «شرح السنة» (١/ ١٤١) وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (١٢٤٨) والذهبي في «السير» (١٤/ ٤٦٢).