للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: «الوائدة والمَوءُودة في النار» (١).

وهذا لا يدلُّ على أنَّهم كلَّهم في النار، بل يدلُّ على أنَّ بعض هذا الجنس في النار، وهذا حقٌّ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وقد ردَّ بعضهم على الحديث بأنَّه مخالفٌ لنص القرآن، قال تعالى: {وَإِذَا اَلْمَوْءُ دَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: ٨ - ٩]، سواءٌ كان المعنى أنَّها تُسأَل سؤالَ توبيخٍ لمَن وَأَدَها، أو تُطلَب ممن (٢) وَأَدَها كما تُطلَب الأمانة ممن اؤتمن عليها.

وعلى التقديرين، فقد أخبر سبحانه أنَّه لا ذنبَ لها تُقتَل به في الدنيا قتلةً واحدةً، فكيف تُقتَل في النار قتلاتٍ دائمةً، ولا ذنبَ لها؟ فالله أعدل وأرحم


(١) أخرجه أبو داود (٤٧١٧) والبزار (١٥٩٦) وابن حبان (٧٤٨٠) والطبراني (١٠/ ١١٤) من طرق عن يحيى بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق به. هذا إسناد غريب كما قال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» (الأطراف: ٣٧٦٣)، وذلك ــ والله أعلم ــ أن زكريا بن أبي زائدة تفرَّد به عن أبي إسحاق، وقد سمع منه بأخرةٍ بعد ما تغيَّر. وخالفه إسرائيل ــ وهو من أتقن أصحاب جدِّه أبي إسحاق ــ فرواه عنه، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود. أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (١٥٩٩). فالظاهر أن هذا هو المحفوظ في حديث ابن مسعود، ورواته ثقات.

وأما رواية عامر الشعبي عن علقمة، فالمحفوظ أنها عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي كما سبق في الروايتين السابقتين، فمن جعلها عن ابن مسعود فالظاهر أنه وهم بسلوك الجادَّة المطروقة، فإن علقمة كثير الرواية عن ابن مسعود. وانظر: «العلل» للدارقطني (٧٩٤).
(٢) في الأصل: «من»، ولعل المثبت الصواب.