للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثوابهم، وأنَّ الإتباع إنَّما استُحِقَّ بإيمان الآباء، فإذا انتفى إيمان الآباء انتفى الإتباع الذي تحصل به النجاة.

ولا حجةَ لهم في شيء من ذلك.

أمَّا حديث عائشة فالصحيح فيه ما تقدَّم ذكره وجوابُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لها بقوله: «الله أعلم بما كانوا عاملين». وأما حديثها الآخر وهو قوله: «هم في النار» فلا يصح، وقد تقدم الكلام عليه (١).

وأما قوله: «هم من آبائهم» فليس فيه تعرُّضٌ للعذاب، وإنَّما فيه أنَّهم منهم في الحكم، وأنَّهم إذا أصيبوا في البَيَات لم يضمنوا، وهذا مصرَّحٌ به في حديث الصعب والأسود بن سريع أنه في الجهاد.

وأيضًا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال: «هم من آبائهم»، ولم يقل: هم مع آبائهم، وفرقٌ بين اللفظين. وكونهم «منهم» لا يقتضي أن يكونوا معهم في الآخرة، بخلاف كونهم «منهم»، فإنَّه يقتضي أن تثبت لهم أحكامُ الآباء في الدنيا من التوارث والحضانة والولاية وغير ذلك من أحكام الإيلاد، والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث، والمؤمن من الكافر. والحديث إنَّما دلَّ على أنَّهم «من آبائهم». وهذا لا شكَّ فيه أنَّهم يُولَدوا (٢) منهم، ولم يُرِد النبي - صلى الله عليه وسلم - الإخبار بمجرَّد ذلك، وإنَّما أراد أنَّهم منهم في الحكم. وهو لم يقُلْ: على دين آبائهم.

فإن قيل: لو لم يكونوا على دينهم، وكانوا على الحنيفيَّة كما ذكرتم


(١) (ص ٢٢٤).
(٢) كذا في الأصل.