للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الحادي عشر: أنَّه قد ثبت امتحانهم في القبور، وسؤالُهم وتكليفُهم الجوابَ. وهذا تكليفٌ بعد الموت برَدِّ الجواب.

الوجه الثاني عشر: أنَّ أمرهم بدخول النار ليس عقوبةً لهم، وكيف يعاقبهم على غير ذنب؟ وإنَّما هو امتحان واختبار لهم: هل يطيعونه أو يعصونه؟ فلو أطاعوه ودخلوها لم تضُرَّهم، وكانت عليهم بردًا وسلامًا، فلمَّا عصوه وامتنعوا من دخولها استَوجَبُوا عقوبته بمخالفة (١) أمره.

والملوك قد تَمتحِن مَن يُظهِر طاعتَهم هل هو منطوٍ عليها بباطنه؟ فيأمرونه بأمرٍ شاقٍّ عليه في الظاهر هل يوطِّن نفسَه عليه أم لا؟ فإن أَقدَم عليه ووطَّن نفسه على فعله أعفوه منه، وإن امتنع وعصى ألزموه به أو عاقبوه بما هو أشدُّ منه.

وقد أمر الله سبحانه الخليل بذبح ولده، ولم يكن مرادُه سوى توطين نفسه على الامتثال والتسليم وتقديم محبة الله على محبة الولد، فلمَّا فعل ذلك رَفَع عنه الأمر بالذبح.

وقد ثبت أنَّ الدجال يأتي معه بمثال الجنة والنار، وهي نارٌ في رأي العين ولكنها لا تحرق، فمن دخلها لم تضره (٢). فلو أنَّ هؤلاء يُوطِّنون أنفسهم على دخول النار التي أُمِروا بدخولها طاعةً لله ومحبةً له وإيثارًا لمرضاته وتقرُّبًا إليه بتحمُّل ما يُؤلِمهم= لكان هذا الإقدام والقصد منهم لمرضاته


(١) في المطبوع: «عقوبة مخالفة»، خلاف الأصل.
(٢) كما في حديث أبي هريرة عند البخاري (٣٣٣٨) ومسلم (٢٩٣٦).