للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومحابِّه يقلب تلك النار بردًا وسلامًا؛ كما قلب قصدُ الخليل التقرُّبَ إلى ربِّه، وإيثار محبته ومرضاته، وبذل نفسه، وإيثاره إياه على نفسه= تلك النار بأمر الله بردًا وسلامًا.

فليس أمره سبحانه إيَّاهم بدخول النار عقوبةً ولا تكليفًا بالممتنع، وإنما هو امتحانٌ واختبارٌ لهم: هل يوطِّنون أنفسهم على طاعته أم ينطوون على معصيته ومخالفته؟ وقد عَلِم سبحانه ما يقع منهم، ولكنَّه (١) لا يُجازِيهم على مجرَّد علمِه فيهم ما لم يحصل معلومُه الذي يترتَّب عليهم به الحجة. فلا أحسن من هذا يفعله بهم، وهو محض العدل والحكمة.

الوجه الثالث عشر (٢): أنَّ هذا مطابقٌ لتكليفه عبادَه في الدنيا، فإنَّه سبحانه لم يستفِدْ بتكليفهم منفعةً تعود إليه، ولا محتاجٌ إليه. وإنَّما امتحنهم وابتلاهم ليتبيَّن مَن يُؤثِر رضاه ومحبته ويشكره ممن يكفر به ويُؤثِر سخطه. قد علم منهم من يفعل هذا وهذا، ولكنَّه بالابتلاء ظهر معلومه الذي يترتَّب عليه الثواب والعقاب، وتقوم عليهم به الحجة.

وكثيرٌ من الأوامر التي أمرهم بها في الدنيا نظيرُ الأمر بدخول النار، فإنَّ الأمر بإلقاء نفوسهم بين سيوف أعدائهم ورماحهم، وتعريضِهم لأَسْرهم لهم وتعذيبهم واسترقاقهم= لعلَّه أعظم من الأمر بدخول النار. وقد كلَّف بني


(١) في الأصل: «ولكنهم»، والمثبت أشبه.
(٢) في الأصل: «الرابع عشر»، ثم يليه «الثالث عشر»، ثم «الرابع عشر» للمرة الثانية، إلى أن تبلغ ثمانية عشر وجهًا على اضطراب في أثنائها. فصححنا الترقيم من هنا إلى «الوجه التاسع عشر»، واكتفينا بهذا التنبيه عن إعادته مع كل رقم.