للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسرائيل قتل أنفسهم وأولادهم وأزواجهم (١) وإخوانهم لمَّا عَبَدوا العِجل لِمَا لهم في ذلك من المصلحة، وهذا قريبٌ من التكليف بدخول النار. وكلَّف على لسان رسوله المؤمنين إذا رأوا نارَ الدَّجَّال أن يقعوا فيها لِمَا لهم في ذلك من المصلحة، وليست في الحقيقة نارًا وإن كانت في رأي العين نارًا، وكذلك النار التي أُمِروا بدخولها في الآخرة إنَّما هي بردٌ وسلامٌ على مَن دخلها. فلو لم يَأتِ بذلك أثرٌ لكان هذا هو مقتضى حكمتِه وعدلِه، ومُوجَب أسمائه وصفاته.

الوجه الرابع عشر: أنَّ القائل قائلان: قائل بأنَّه سبحانه يفعل بمحض المشيئة والإرادة من غير تعليلٍ ولا غاية مطلوبة بالفعل، وقائل بمراعاة الحِكَم والغايات المحمودة والمصالح. وعلى المذهبَين فلا يمتنع الامتحان في عرصات القيامة، بل على القول الأول هو ممكنٌ جائزٌ لا يتوقَّف العلمُ به على أمرٍ غير إخبار الصادق. وعلى المذهب الثاني هو الذي لا يليق بالرب سواه، ولا تقتضي أسماؤه وصفاته غيرَه، فهو متعيِّنٌ.

الوجه الخامس عشر: قوله: «وليس ذلك في وسع المخلوقين» جوابه من وجهين:

أحدهما: أنَّه في وسعهم، وإن كان يشقُّ عليهم، وهؤلاء عُبَّاد النار يتهافتون فيها، ويُلقُون أنفسَهم فيها طاعةً للشيطان، ولم يقولوا: ليس في وُسْعنا، مع تألُّمهم بها غاية الألم، فعِباد الرحمن إذا أمرهم أرحم الراحمين بطاعته باقتحامهم النار كيف لا يكون في وسُعهم وهو إنَّما يأمرهم بذلك


(١) في المطبوع: «وأرواحهم»!