الثاني: أنَّهم لو وطَّنوا أنفسهم على اتباع طاعته ومرضاته لكانت عين نعيمهم ولم تضرَّهم شيئًا.
الوجه السادس عشر: أنَّ أمرَهم باقتحام النار المُفضِية بهم إلى النَّجاة منها بمنزلة الكيِّ الذي يَحسِمُ الدَّاء، وبمنزلة تناوُل الداء الكريه الذي يَعقُب العافية. وليس من باب العقوبة في شيء، فإنَّ الله سبحانه اقتضت حكمتُه وحمدُه وغناه ورحمتُه أن لا يعذِّب مَن لا ذنبَ له، بل يتعالى ويتقدَّس عن ذلك كما يتعالى عمَّا يُناقِض صفاتِ كماله.
فالأمر باقتحام النار للخلاص منها هو عين الحكمة والرحمة والمصلحة، حتى لو أنَّهم بادروا إليها طوعًا واختيارًا ورضًا حيث علموا أنَّ مرضاته في ذلك قبل أن يأمرهم به لكان ذلك عينَ صلاحهم وسببَ نجاتهم. فلم يفعلوا ذلك ولم يمتثلوا أمره، وقد تيقَّنوا وعَلِموا أنَّ فيه رضاه وصلاحهم، بل هان عليهم أمرُه وعزَّت عليهم أنفسُهم أن يَبذُلوا له منها هذا القدر الذي أمرهم به رحمةً وإحسانًا لا عقوبةً.
الوجه السابع عشر: أنَّ أمرهم باقتحام النار كأمر المؤمنين برُكوب الصراط الذي هو أدقُّ من الشعرة وأحدُّ من السيف، ولا ريبَ أنَّ ركوبه من أشقِّ الأمور وأصعبِها حتى إنَّ الرسل لتُشفِق منه، وكلٌّ منهم يسأل الله السلامة، فركوب هذا الجسر الذي هو في غاية المشقَّة كاقتحام النار، وكلاهما طريقٌ إلى النجاة.
الوجه الثامن عشر: قوله: «ولا يخلو مَن مات في الفترة من أن يكون