كافرًا أو غير كافر، فإن كان كافرًا فإنَّ الله حرم الجنة على الكافرين. وإن كان معذورًا بأنَّه لم يأتهِ رسولٌ فكيف يُؤمَر باقتحام النار؟» جوابه من وجوه:
أحدها: أن يقال: هؤلاء لا يُحكَم لهم بكفر ولا إيمان، فإنَّ الكفر هو جُحُود ما جاء به الرسول، فشرط تحقُّقه بلوغ الرسالة، والإيمان هو تصديق الرسول فيما أخبر وطاعتُه فيما أمر، وهذا أيضًا مشروطٌ ببلوغ الرسالة، ولا يلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر إلا بعد قيام سببه. فلمَّا لم يكن هؤلاء في الدنيا كفارًا ولا مؤمنين كان لهم في الآخرة حكم آخر غير حكم الفريقين.
فإن قيل: فأنتم تَحكُمون لهم بأحكام الكفار في الدُّنيا من التوارُث والولاية والمناكحة، قيل: إنَّما نحكم لهم بذلك في أحكام الدنيا لا في الثواب والعقاب، كما تقدَّم بيانه.
الوجه الثاني: سلَّمنا أنَّهم كفارٌ، لكن انتفاء العذاب عنهم لانتفاء شرطه وهو قيام الحجة عليهم، فإنَّ الله تعالى لا يعذِّب إلا مَن قامت عليه حجته.
الوجه الثالث: قوله: «وإن كان معذورًا كيف يُؤمَر أن يقتحم النار وهي أشدُّ العذاب؟» فالذي قال هذا يُوهِم أنَّ هذا الأمر عقوبة لهم، وهذا غلطٌ. وإنَّما هو تكليفٌ واختبارٌ، فإن بادروا إلى الامتثال لم تضُرَّهم النار شيئًا.
الوجه التاسع عشر: قوله: «كيف يمتحن الطفل ومَن لا يعقل؟» كلامٌ فاسدٌ، فإنَّ الله سبحانه يومَ القيامة يُنشِئهم عُقَلاء بالغين، ويمتحِنهم في هذه الحال. ولا يقع الامتحان بهم وهم على الحالة التي كانوا عليها في الدنيا. فانتهُوا وقِفُوا، فالسنة وأقوال الصحابة ومُوجَب قواعد الشرع وأصولِه لا تُرَدُّ بمثل ذلك، والله أعلم.