للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشافعي رحمه الله تعالى (١): «ولا يُحدِثون بناءً يَطُولون به بناءَ المسلمين». وهذا المنع لِحقِّ الإسلام لا لِحقِّ الجار، حتى لو رضي الجار بذلك لم يكن لرضاه أثرٌ في الجواز. وليس هذا المنع معلَّلا بإشرافه على المسلم، بحيث لو لم يكن له سبيلٌ على الإشراف جاز، بل لأنَّ الإسلام يعلُو ولا يُعلَى.

والذي تقتضيه أصول المذهب وقواعد الشرع أنَّهم يُمنَعون من سُكنى الدَّار العالية على المسلمين بإجارةٍ أو عاريةٍ أو بيعٍ أو تمليكٍ بغير عِوَضٍ، فإنَّ المانعين من تعلية البناء جعلوا ذلك من حقوق الإسلام، واحتجُّوا بالحديث وهو قوله: «الإسلام يَعلُو ولا يُعلَى» (٢). واحتجُّوا بأنَّ في ذلك إعلاءَ رتبةٍ لهم على المسلمين، وأهل الذمَّة ممنوعون من ذلك.

قالوا: ولهذا يُمنَعون من صدور المجالس ويُلجَؤون إلى أضيق الطرق، فإذا مُنِعوا من صدور المجالسِ ــ والجلوسُ فيه عارضٌ ــ فكيف يمكَّنون من السُّكنى اللازمة فوق رؤوس المسلمين؟ وإذا مُنِعوا من وسط الطريق


(١) في «الأم» (٥/ ٤٩٣) و «مختصر المزني»، وقد سبق (ص ٣١١).
(٢) أخرجه الروياني في «مسنده» (٧٨٣) والدارقطني (٣٦٢٠) والبيهقي (٦/ ٢٠٥) من حديث عائذ بن عمرو المُزني - رضي الله عنه - مرفوعًا. في إسناده ضعف لجهالة بعض رواته.
وقد صحَّ عن ابن عباس موقوفًا عليه، أخرجه أبو عبيد في «الأموال» (٣٥٢) وابن زنجويه (٥٠٦) والطحاوي في «معاني الآثار» (٣/ ٢٥٧) من طريقين عن عكرمة عنه. وعلَّقه البخاري في الجنائز (باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه؟) عن ابن عباس مجزومًا به.