للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا المعارض الرَّابع: وهو قولهم أنَّ الكتابةَ لو حُمِلت على حقيقتها، لاستوى في إدراك ذلك المؤمن والكافر، وأنَّ مِن المؤمنين مَن هو أمِّيٌّ أو أعمى .. إلخ:

فالَّذي يتحقَّقه العقلاء الأسوياء في درء هذه الشُّبهة، أنَّ العقل لا يُحيل ذلك، فهم يعلمون أنَّ الربَّ تبارك وتعالى الَّذي قَدِر على أن يَصرِف الكافر عن إدراك هذه الكتابة، لا يُعجِزه سبحانه أن يُمكِّن المؤمنَ الأميَّ والأعمَى مِن إدراكها! وكِلا الفِعلين الإلهيِّين -مِن الصَّرف عن تلمُّحِ الكتابةِ والتَّمكين من إدراكها- أمران غَيْبيَّان نجهل كيفيَّتهما على التَّحقيق.

وعلى هذا؛ فحملُهم الخاطئ للوارد في هذا الحديث مِن أمرِ الكتابةِ على معنى ما ثَبت من شواهدِ عجْزِه وظهور نقصِه: هو «عُدولٌ وتحريفٌ عن حقيقةِ الحديث من غير مُوجبٍ لذلك، وما ذكره المعترض مِن لزوم المُساواةِ بين المؤمن والكافر في قراءةِ ذلك، لا يلزم من وجهين:

أحدهما: أنَّ الله يَمنع الكافرَ مِن إدراكِه؛ ولا سيما وذلك الزَّمان قد انخرقت فيه عوائد؛ فليكن هذا منها! وقد فُهِم ذلك ممَّا جاء في بعضِ طُرقه: «يقرؤه كلُّ مؤمنٍ؛ كاتبٍ وغير كاتبٍ .. »، وقراءة غيرِ الكاتبِ خارقةٌ للعادة.

وثانيهما: أنَّ المؤمن إنَّما يُدركه لتثبُّتِه ويقظتِه، ولسوءِ ظنِّه بالدَّجال، وتخوُّفه من فتنتِه، فهو في كلِّ حالٍ يستعيد النَّظر في أمرِه، ويَسْتزيد بصيرةً في كذبه؛ فينظر في تفاصيل أحواله، فيقرأ سطورَ كفرِه وضلاله، ويتبيَّن عينَ محالِّه.

وأمَّا الكافر: فَمَصروفٌ عن ذلك كلِّه؛ بغفلتِه وجهلِه، وكما انصرف عن إدراك نقص عَوَرِه، وشواهد عجزِه؛ كذلك يُصرَف عن فهم قراءة سطورِ كفره ورَمْزِه» (١).


(١) «المفهم» (٧/ ٢٦٨ - ٢٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>