للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالَّصحيح الَّذي عليه المحقِّقون من أهل العلم: أنَّ الكتابة المذكورة حقيقة، جعَلَها الله علامةً قاطعةً يُكذَّب بها الدَّجال، فيُظهِر الله المؤمنين عليها، ويخفيها على مَن أراد شقاوَتَه (١).

والقاضي عياض وإن حكى في ذلك خلافًا، أنَّ بعضهم قال: هي مَجازٌ عن سِمة الحدوث عليه (٢)؛ فهذا مذْهب ضعيف.

يقول فيه ابن حجر: «ولا يَلزم مِن قولِه: «يقرؤُه كلُّ مؤمنٍ، كاتبٍ وغير كاتب .. » أن لا تكون الكتابةُ حقيقةً، بل يُقدِّر الله على غيرِ الكاتب عِلمَ الإدراك، فيقرأ ذلك، وإنْ لم يكن سَبق له معرفةٌ بالكتابة؛ وكأنَّ السِّرَّ اللَّطيفَ في أنَّ الكاتب وغير الكاتب يقرأ ذلك: لمناسبةِ أنَّ كونَه أعور يُدركه كلُّ مَن رآه» (٣).

فبهذا يَتبيَّن أنَّ مَن ذهب إلى تأويلِ الأحاديث الدالَّةِ على الوجودِ العَينيِّ للدَّجَّال، بحملِها على الرَّمزِ والإشارةِ؛ وأنَّها ترمز إلى الخرافةِ والدَّجل، الَّتي تزول بتقريرِ الشَّريعة على وجههِا -كما ذَهب إلى ذلك (محمَّد عبده) (٤) -، أو أنَّها ترمزُ على الشرِّ واستعلائه -كما تأوَّلها (محمَّد أَسد)، وارتضاه (مصطفى محمود) (٥) -: كلُّ هذه التَّأويلات لا تثبُت على قَدَمٍ، وبطلانُها بيِّنٌ مِن وجوه:

الوجه الأوَّل: أنَّ هذه التَّأويلات مُؤسَّسة فيما يظهر على الإحالةِ العقليَّة، ولا إحالة تمنع مِن قبول أحاديثِ الدجَّال والتَّسليمِ بها؛ بل هي جاريةٌ على سَنَن العَقل، والشَّرعُ مُثْبِت لها، وما أثبته الشَّرعُ فهو يَقينًا مُوافقٌ للعقل، ومَن تأمَّل هذا في جميع ما أخبر به الرَّسول صلى الله عليه وسلم، فمُحالٌ أن تَزِلَّ قدمُه عند ورودِ بعضِ ما يُشكِل على هذا الأصل.


(١) «شرح النَّووي على مسلم» (١٨/ ٦٠).
(٢) «إكمال المعلم» (٨/ ٤٧٦).
(٣) انظر «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ١٠٠).
(٤) نقله عنه تلميذه رشيد رضا في «تفسيره» (٣/ ٣١٧).
(٥) انظر كتابه «رحلتي من الشك إلى الإيمان» (ص/١٠٤ - ١٠٥)، ورأي (محمد أسد) منقول في هذا الموضع نفسه من الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>