للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب غير هؤلاء إلى أنَّ المسيح الدَّجال الخارجَ آخر الزَّمان غير ابن الصَّياد الَّذي عاش في المدينة زمنَ النُّبوة (١)، فإنَّ هذا «كان دجَّالًا مِن الدَّجاجلة، ثمَّ تِيب عليه بعد ذلك، فأظهرَ الإسلام، والله أعلمُ بَضميرِه وسَريرتِه» (٢).

ودليلهم على ذلك: حديثُ تميم الدَّاري رضي الله عنه الطَّويل المشهور في «صحيح مسلم» (٣)، وقد مرَّ أنَّه أخبرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بلُقياه المسيحَ الدَّجالَ -بتقديرٍ مِن الله تعالى- مُوثقًا في دِيرٍ بإحدى الجُزر النَّائية في البحر، فذكره له بأوصافٍ تخالف ما عليه ابنَ الصَّياد.

وحملَ بعضُ هؤلاءِ جزمَ عمر رضي الله عنه على أنَّ ابن الصَّياد هو المسيحُ الدَّجال على عدم اطِّلاعِه على حديث تميمٍ وقتَ حلِفِه، وحملوا جزمَ جابر رضي الله عنه لمَّا رأى سكوتَ النَّبي صلى الله عليه وسلم عند حلف عمر رضي الله عنه بأنَّه اجتهادٌ منه مَنقوض، وذلك أنَّ «الظَّاهر أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يكُن قد أُوحِيَ إليه وقتئذٍ في أمره بشيءٍ، وإنَّما أوحي إليه بصفاتِ الدَّجال، وكان في ابن صيَّاد قرائن محتملة، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يقطع في أمره بشيء» (٤).

فكان سِرُّ سكوتِه صلى الله عليه وسلم على حَلفِ عمرَ: عَدمُ تحقُّقِه مِن بطلانِ ما حَلف عليه، فلا يُعَدُّ هذا السُّكوت في هذه الحالة تقريرًا، خصوصًا إذا عُلِم أنَّ مِن شرط العَمل بالتَّقرير: ألَّا يعارضَه تَصريحٌ يخالفه (٥).

فبهذا يرجُح عندي أنَّ قول مَن نفى أن يكون المسيح الدَّجال هو ابن الصَّياد هو الأصوب.


(١) منهم البيهقيُّ في «البعث والنشور» (ص/٣١، استدراكات عامر حيدر)، وابن تيمية في «الفرقان» (ص/١٦٦)، وابن كثير في «البداية والنهاية» (١٩/ ٢٠٤).
(٢) «البداية والنهاية» لابن كثير (١٩/ ٢٠٤).
(٣) ستأتي دراسة هذا الحديث ودفع المعارضات المعاصرة عنه بتفصيل في مبحث مستقل.
(٤) «شرح صحيح الإمام مسلم» للنووي (١٨/ ٤٦).
(٥) وسيأتي تفصيلُ الكلام في حقيقة ابن صيَّاد في تضاعيف الكلام على حديث الجسَّاسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>