للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جَرى مَذهبُ أهل السُّنة والجماعة على حملِ ما جاء في الحديث الوارد في عور الدَّجال على إثباتِ صِفة العَينِ لله تبارك وتعالى على ما يَليق بجلالِ ذاتِه وعظمتِه، حيث ذَكَر النَّبي صلى الله عليه وسلم الدَّجال بـ «أنَّه أَعْور، وأنَّ ربَّكم ليس بأَعْور»، و «الأعور عندهم ضدُّ البَصير بالعَينين» (١).

يقول البيهقيُّ تعليقًا على هذا الحديث:

«في هذا نفيُ نقصِ العَور عن الله سبحانه وإثبات العَين له صِفةً، وعرفنا بقوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، وبدلائل العقلِ أنَّها ليست بحَدقة، وأنَّ اليَدين ليستا بجارِحَتين، وأنَّ الوجهَ ليس بصورةٍ؛ وأنَّها صفات ذاتٍ أثبتناها بالكتاب والسُّنة بلا تَشبيه» (٢).

وعلى هذا مَشى الأشاعِرَة المتقدِّمون في إثباتِ تلكم الصِّفات الذَّاتية الخبريَّة، ولم يزيدوا على ذلك، اقتفاءً لمذهبِ مَن سَلف مِن علماء الأمَّة، مع تنزيههِم له تعالى عن المثيل والشَّبيه؛ يكفي في هذا ما نقله عنهم أبو الحسن الأشعريِّ وهو يُقرِّر عقائد أهل السُّنة، حيث قال: «قال أهل السُّنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم، ولا يُشبه الأشياء، وأنَّه على العرش .. وأنَّ له عَيْنين» (٣).

وقال في موضعٍ آخر مِن كُتبِه: « .. وأنَّ له -سبحانه- عَينين بلا كيف» (٤).

أمَّا مَن تأوَّل هذا الخَبر النَّبويَّ مِن مُنتسِبي هذا الإمامِ، بأنَّ المُرادَ منه مجرَّد نفي النَّقصِ والعَيبِ عنه سبحانه، أو كناية عن صِفة البَصرِ لا العَين (٥)؛ فعلى قول هذا الفريقِ أيضًا يسلمُ الحديث من تُهمة التَّجسيمِ أو التَّشبيه؛ إذ أنَّه كما كانت


(١) «نقض الدارمي على بشر المريسي» (ص/٣٠٥).
(٢) «الاعتقاد» للبيهقي (ص/٨٩).
(٣) «مقالات الإسلاميين» (١/ ١٦٨ - تحقيق: عدنان زرزور).
(٤) «الإبانة عن أصول الديانة» (ص/٢٢).
(٥) تراه -مثلًا- في قولِ ابن فورَك في «مشكل الحديث وبيانه» (ص/٢٥٣) عند ذكرِه حديثَ عورِ الدَّجال: «معنى هذا الخبر أيضًا: تحقيقُ وصفِ الله تعالى بأنَّه بصير، وأنَّه لا يصحُّ عليه النَّقص والعَمى، ولم يُرد بذلك إثبات الجارحة، وإنَّما أراد نفي النَّقص، لأنَّ العور نقص».

<<  <  ج: ص:  >  >>