للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحاصل مِن هذا: أنَّه صلى الله عليه وسلم ظَنَّ أنَّ الدجَّال المذكورَ في بَحرِ الشَّام؛ لأنَّ الظَّن أنَّ تميمًا رَكِب في بحر الشَّام، ثمَّ عرَض له احتمالُ أنَّه في بحرِ اليَمن؛ لقربه مِن أرض الشَّام، ثمَّ أطلعه العليمُ الخبير على تحقيقِ ذلك فحَقَّق.

أمَّا ما جاء في حديث النَّواس بن سمعان رضي الله عنه مِن أنَّ الدَّجال سيخرج من خلَّة بين العراقِ والشَّام: فيُحمَل على تعدُّدِ خروجه، فيكون «مُبتدأ خروجِ الدَّجال مِن خراسان، ثمَّ يخرج إلى الحجازِ فيما بين العراق والشَّام» (١) خروجَه الأكبرَ، قصدَ استئصالِ جذرِ من جذور الإسلامِ مِن أصلِه.

أمَّا جواب المعارضِ السَّادس: في دعوى المعترضِ أنَّ الدَّجال لو كان حقيقةً، لوَرَد ذكره في القرآن الكريم، تحذيرًا للنَّاس مِن فتنِه:

فلقد جاء في القرآنِ الكريم الإخبار عن أشراط السَّاعة بإجمال، كما في قوله تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد: ١٨]، ولا شكَّ أنَّ مهمَّة الرَّسول تفصيلُ هذا الإجمالِ وبيانُه، وقد تواترَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم إدراجُ الدَّجال في جملةِ هذه الأشراطِ الَّتي ذكرتها الآية الكريمة، فوَجَب التَّسليم له به.

وخفاءُ حكمةِ عدمِ التَّصريحِ بأمرِ الدجَّال في القرآنِ لا يُعكِّر على ما دَلَّت عليه الأحاديث القطعيَّة مِن ثبوتِ أمرِه؛ وإلَّا لاقتضى ذلك التَّجارِي في إنكارِ كلِّ ما يثبُت في السُّنَن مِن مَعاقِد الدِّين، بدعوى سكوتِ القرآن عنه!

وأمَّا جواب المعارض السَّابع: من دعوى تضمُّنِ الأحاديث الواردةِ في وصفِ الدَّجال تجسيمًا لله تعالى وتشبيهًا بخلقه، حيث لازمها إثبات العَيْن له سبحانه:

فقد تَقدَّم الكلام على أنَّ إثباتِ الصِّفاتِ لله تعالى الواردة في الكتاب والسُّنة، مِن غير تَكيِيفٍ لها ولا تمثيل، لا يُعَدُّ ذلك تجسيمًا للبَاري سبحانه، ولا تشبيهًا له بخلقِه.


(١) «المُفهم» (٢٣/ ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>