للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتغيَّاه هذا البحث؛ لقطعِ علائقِ المتأوِّلين المُتعلِّقين بأذيالِهم؛ فضلًا عن كونِ ذلك مِن لوازمِ الدِّيانة.

وأمَّا عن التَّعارض الثَّالث: في دعوى اختلافِ الرِّواياتِ في المكانِ الَّذي يخرج منه المسيح الدَّجال:

فإنَّ الدَّجال خارجٌ مِن المشرقِ قولًا واحدًا، وهو ما أشارت إليه أكثر الأحاديثِ في هذا الباب، «ثمَّ جاء في روايةٍ أنَّه يخرج مِن خُراسان، أخرج ذلك أحمد والحاكم مِن حديث أبي بكر رضي الله عنه، وفي أخرى أنَّه يخرج مِن أصبهان، أخرجها مسلم» (١).

ولا تعارض بين هذه الجهات الثَّلاثة، لأنَّ أصبهان جزءٌ من بلاد خراسان، وخراسان واقعة شرق الجزيرة العربيَّة.

والَّذي يظهر أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ذكر في حديث الجسَّاسة خروجَ الدَّجال مِن بحر الشَّام أو بحر اليَمن قد رجعَ عنه النَّبي صلى الله عليه وسلم في آخر الرِّواية نفسها، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «ألَا إنَّه في بحر الشَّام، أو بحر اليَمن، .. لا بل من قِبل المشرق ما هو! مِن قِبل المشرق ما هو! مِن قِبل المشرق ما هو!»، وأوْمأَ بيده إلى المشرقِ (٢).

يقول أبو العبَّاس القرطبي في هذه الجُمَل النَّبويَّة: «كلُّه كلامٌ ابتُدِئ على الظَّن، ثمَّ عَرض الشَّك أو قصد الإبهام، ثمَّ نَفى ذلك كلَّه، وأضربَ عنه بالتَّحقيق، فقال: لا، بل مِن قبل المشرق؛ ثمَّ أكَّد ذلك بـ (ما) الزَّائدة، وبالتَّكرار اللَّفظي، وهذا لا بُعدَ فيه؛ لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بَشرُّ يظنُّ ويشكُّ، كما يَسهو ويَنسى، إلَّا أنَّه لا يَتمادى، ولا يُقَرُّ على شيءٍ من ذلك، بل يُرشَد إلى التَّحقيقِ، ويُسلك به سواء الطَّريق» (٣).


(١) «فتح الباري» (١٣/ ٩١).
(٢) أخرجه مسلم في (ك: الفتن وأشراط الساعة، باب: في خروج الدجال ومكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه، وذهاب أهل الخير والإيمان، وبقاء شرار الناس وعبادتهم الأوثان، والنفخ في الصور، وبعث من في القبور، رقم: ٢٢٦٢).
(٣) «المُفهم» (٢٣/ ١٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>