فكيف تثبت هذه الزِّيادة أنَّ الإمطارَ مجرَّد تخيُّلٍ لا حقيقة له، وقد أنبتت الأرض منه حقيقةً، وأكل النَّاس مِمَّا أخرجت؟!
وإن كان الدَّجال قد خيَّل للنَّاسِ شَقَّ الشَّاب المؤمن فِلْقَتين، ثمَّ أرجعَه كما كان حيًّا، فهل يُعقل أنَّ الشَّابَ المفعول به ذاك قد شملَه ذاك التَّخييل وقد صرخ بوقوعه؟! وإلَّا فما منعه أن يجهر في النَّاس أنَّ ما أجراه الدَّجال عليه مجرَّد تخييلٍ وتدليسٍ لا حقيقة له لم يُمَسَّ فيه بسوء؟! في حين أنَّ الرِّوايات الصَّحيحة تُثبت أنَّ الشَّابَ قد تَيقَّن أنَّه قد أُحْيِيَ بعد مَقتلِه، فزاد بذلك يَقينُه بما كان أخبرَ النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن كونِ ذلك على الحقيقة!
مِن هنا نتبيَّن: أنَّ ما ذهب إليه الطَّحاوي وابن حبَّان مِن تأويلٍ لمِا مع الدَّجال من الخوارق على معنى التَّمويه والتَّخييل تردُّه تلك الأحاديث البيِّنة الدالَّة على أنَّ ما يُظهِره الله على يَديه مِن أمرِ السَّماء بالإمطار فتُمطر، والأرضِ فتُنبت، واتِّباع كنوز الأرض له كيعاسيب النَّحل، وقتْله ذلك الشَّاب ثمَّ إحيائه له: كلُّه حقيقةٌ لا مَخْرقة، وليس هناك ما يَمنع من جريانِ تلك الخوارق على يَديه، والزَّمن زَمن انخراق السُّنَن.
ولذا قال أبو العبَّاس القرطبي:«أمَّا مَن قال: إنَّ ما يأتي به الدجَّال حِيَلٌ ومخارق فهو مَعزول عن الحقائق؛ لأنَّ ما أخبر به النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن تلك الأمور حقائق لا يحيل العقل شيئًا منها، فوَجَب إبقاؤها على حقائِقها»(١).
ولا ريب أنَّ مثل الطَّحاوي وابن حبَّان لا يشملهما كلام القرطبيِّ هذا، لأنَّ مَردَّ تأويل هذين الإمامين ليس عن شبهةٍ عقليَّة -كما دأبُ المُحْدَثين- بل كان عن شبهةٍ نقليَّة؛ كما مَرَّ معنا مِن استدلالهم بروايةِ:« .. فيما يَرى النَّاس»، مع ما يعلمانه مِن الأحاديث الَّتي فيها ذِكرٌ لتلك الخوارق.
هذا كي لا يَظُنَّ ظانٌّ أنَّ تأويلهم نابعٌ عن استشكالٍ عَقليٍّ مَحْضٍ فيُتَّخَذ ذلك وليجةً للاعتضادِ به، وبيان مَآخذ أهلِ العلم، ونفيُ مَوارد الظُّنون عنهم، مِمَّا