للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي مسعود رضي الله عنه الَّذي ذكرناه، لأنَّه أَهْوَن على الله مِن أن يكون معه نهرٌ الماء يجري، والَّذي معه يرى أنَّه ماءٌ ولا ماءٌ، من غير أن يكون بينهما تَضادٌّ» (١).

والمعنى الثَّاني: أنَّه أَهْون مِن أن يجعلَ ما يخلقه الله تعالى على يَديه مُضِلًّا للمؤمنين، ومشكِّكًا لقلوبِ الموقنين.

يقول القاضي عياض: «قوله في هذا الحديث: « .. هو أهْوَن على الله مِن ذلك»، أي: مِن أن يجعلَ ما يخلقُه على يدِه مُضِلًّا للمؤمنين، ومُشكِّكًا لقلوبِ المُوقنين؛ بل يزيد الَّذين آمنوا إيمانًا، وليرتاب الَّذين في قلوبهم مَرض والكافرون» (٢).

وقال ابن حجر: « .. فدلَّ ما ثَبت مِن ذلك على أنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: « .. هو أهون على الله من ذلك» ليس المراد به ظاهره، وأنَّه لا يجعل على يديه شيئًا مِن ذلك؛ بل هو على التَّأويل المَذكور» (٣)، يعني: تفسيرَ القاضي عياض السَّالف الذِّكر.

فلمَّا أن كان هذا اللَّفظ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم محتملًا لكِلا هذين المعنيين؛ كان المُتعيَّن البحث عمَّا يزيح أحد الاحتمالين؛ فوجدنا أنَّ الأحاديث الأخرى قد أبانت عن أنَّ ما مع الدَّجال من الخوارق على بابها وظاهرها، فلم يسعنا حينئذٍ إلَّا المصير إليها، واتِّخاذها أصلًا مُحكما يُردُّ إليها ما تشابه من الألفاظ (٤).

فأمَّا استدلالُ الطَّحاوي بحديثِ جابر رضي الله عنه: فلا يستقيم له إلَّا بعد التَّسليم بصحَّة ثبوتِه؛ وهذا ما لا يتمُّ له؛ لتفرُّد أبي الزُّبير عن جابر صلى الله عليه وسلم بتلك الزِّيادة الَّتي لم تقع في الأحاديث الأخرى، أعني قولَه: «فيما يرى النَّاس»، فهي زيادةٌ تخالف رواياتِ الثِّقاتِ للحديث، لا أعلمها إلَّا مِن رواية أبي الزُّبير عن جابر (٥).


(١) «صحيح ابن حبان» (١٥/ ٢١١).
(٢) «إكمال المعلم» (٨/ ٤٩٢).
(٣) «فتح الباري» (١٣/ ١١٦).
(٤) «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٤٤٦).
(٥) ولست أنزع إلى التعليل بعنعنة أبي الزبير عن جابر بكونِه مدلسًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>