للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان المُستنَد الَّذي يُثبِت هذه العقيدة منتفيًا في نظره؛ فإنَّ فُشُوَّها في المحيط الإسلاميِّ هو من آثار أحدِ العوامل الأجنبيَّة الَّتي ابتغت ترسيخ مثل هذه المعتقدات بينهم -يَعنون عاملَ الإسرائيليَّات (١) - حيث تأثَّروا بها نتيجةً للانحطاط الدِّيني والحضاريِّ، فتعلَّقت آمالهم -كحالِ أهل الكتابِ قديمًا- بمُخلِّصٍ يَردُّ مَعايشهم إلى حالتها المُثلى.

وفي تقرير دعوى هذا التَّأثير الخارجي في المُعتقد، يقول (حسن التُّرابي): «في بعض التَّقاليد الدِّينيَّة تَصَوُّرٌ عَقديٌّ، بأنَّ خطَّ التَّاريخ الدِّيني بعد عهد التَّأسيس الأوَّل ينحدر بأمرِ الدِّين انحطاطًا مُطَّرِدًا، لا يرسم نَمطًا روحيًّا، وفي ظلِّ هذا الاعتقاد؛ تتَركَّز آمال الإصلاحِ أو التَّجديدِ نحو حَدَثٍ أَو عَهد واحدٍ بعينه مَرجُوٍّ في المستقبل، يَردُّ أَمر الدِّين إلى حالته المُثْلى مِن جديد.

وهذه عقيدةٌ نشأتْ عند اليهود، واعْتَرت النَّصارى، وقوامها: انتظارُ المسيح يأتي أو يعود، عندما يبلغ الانحطاطُ ذِرْوتَه بعهد الدَّجال؛ قبل أن ينقلب الحال صاعدًا بذلك الظُّهور ... وقد انتقلت هذه العقيدة بأثرِ مَن دَفَع الإسرائيليَّات إلى المسلمين، وما يَزال جمهورٌ مِن عامَّة المسلمين يُعوِّلون عليها في تجديد دينهم» (٢).

وبنفس هذا المنطق العِوَج من التَّفكير، وسم (مصطفى بوهندي) الأخبار في نزولِ المَسيح عليه السلام بكونِها «مُشبَّعةً بالمفاهيم الكِتابيَّة الَّتي أَشرنا إليها عن المسيح المُنتظر، وهو ما يَكشِف عن مَصدريَّتها اليهوديَة والمسيحيَّة المخالفةِ لمِا في الإسلام» (٣).

المعارض الثَّالث: أنَّ أَصحاب تلك المَرويَّات يَزعمون أَنَّ عيسى عليه السلام إنَّما ينزل في آخر الزَّمان مُتَّبعًا للشَّريعةِ المحمديَّة، ومَن كان مُتَّبعًا لغيره؛ كيف يحمِل النَّاسَ على الإيمان به -حسبما جاء في تلك الرِّوايات-؟! وكيف تكون عاقبةُ مَن لم يؤمن به القتلُ؟!


(١) انظر «مجلة المنار» (٢٨/ ٧٤٧).
(٢) «قضايا التجديد ـ نحو منهج أُصولي» (ص/٧٧ ـ ٧٨).
(٣) «التأثير المسيحي في تفسير القرآن» (ص/١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>