للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظمُهم لهذه المقولة في أحرُفِ الاعتقاد، وتضافرُهم على ذلك، هو مُحصَّل الأدِّلة الشَّرعية ممَّا سبق ذكر بعضِه مِن دلائل السُّنة، وما سيأتي ذكره مِن دلائل الكِتاب، وما تَركَّب منهما مِن الإجماع الثَّابتِ على نزوله عليه السلام، وقد نَصَّ على ذلك غيرُ واحدٍ من الأئمَّة.

فمِمَّن قَرَّر هذا الإجماع:

أبو محمَّد ابن عطيَّة (ت ٥٤٢ هـ) في قوله: «أجْمَعَت الأمَّة على ما تضمَّنه الحديث المتواتر؛ مِن أَنَّ عيسى عليه السلام في السَّماء حَيٌّ، وأنَّه ينزل في آخر الزَّمان، فيقتل الخنزير، ويكسر الصَّليبَ، ويقتل الدَّجال، ويُظْهِر هذه الملَّة ملَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم، ويحجُّ البيتَ ويعتمر، ويبقى في الأرض أربعًا وعشرين سنة، وقيل: أربعين سنة، ثمَّ يُميته الله تعالى» (١).

وأقرَّه على الإجماع أبو إسحاق الثَّعلبي (٢)، وابن تيميَّة (٣)، والسَّفاريني (٤)، وغيرهم كثيرٌ مِمَّن نقلَ الإجماع على نزولِ المسيحِ آخرَ الزَّمان (٥).

وبذا يَتَبيَّن خطأ (محمَّد عبده) -ومَن جَرى في مَهْيَعِه- في ردِّ هذه الأحاديث بكونها آحاد، على كِلَا الاعتبارين في مسألةِ قبول الآحاد في العقائد.


(١) «المحرر الوجيز» (١/ ٤٤٤).
(٢) «الكشف والبيان» (١/ ٢٧٢).
(٣) «بيان تلبيس الجهمية» (٤/ ٤٥٧).
(٤) «لوامع الأنوار البهية» (٢/ ٩٤).
(٥) أمَّا ما نقله ابن حزم في «مراتب الإجماع» (ص/١٧٣) من خلاف في هذه المسألة بقوله: «اتَّفقوا ... أنَّه لا نبيَّ مع محمد صلى الله عليه وسلم ولا بعده أبدًا، إلاّ أنَّهم اختلفوا في عيسى عليه السلام: أَيأتي قبل يوم القيامة أم لا؟ وهو عيسى بن مريم المبعوث إلى بني إسرائيل قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم»: فَوهْمٌ من ابن حزم، خَالفَ فيه أَهل العلم الذين حكَوْا الإجماعَ، وهو لم يسم المخالف، ولذا قال الأُبيّ في «إكمال إكمال المعلم» (١/ ٤٤٦) متعقّبًا ابنَ حزم: «ما ذَكر ابنُ حزمٍ من الخلاف في نزوله لا يصحُّ».
وقد نَقَل ابن حزم نفسُه الإجماعَ على نزوله عليه السلام في كتابه الموسوم بـ «الدُّرَّة فيما يجب اعتقاده» (ص/١٩٩) حيث قال فيه: «وقد صحَّ النَّصُّ، وإجماعُ القائلين بنزوله ـ وهم أهل الحقِّ ـ أنّه إذا نزل لم يبقَ نصرانيٌّ أَصلًا إلا أسلموا»؛ فعُلِم بذلك خطؤُه فيما ذكر من الخلاف؛ مُستفاد من «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٤٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>