للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلَمْ يَبق إلَّا أن يكون الرَّفعُ لشخصِه عليه السلام روحًا وبَدَنًا؛ لا معنى إلَاّ ذلك (١).

وأمَّا مَعنى قوله تعالى: {مُتَوَفِّيكَ}: فقابضٌ روحَك وبدَنَك، وهذا اختيار أئمَّة التَّفسير؛ كالحسن البصري، وزيد بن مسلم، وابن جريج، وابن جرير الطبري (٢)، وأبي عبد الله القرطبي (٣)، وابن تيميَّة (٤)، والشوكاني (٥)، وغيرهم -رحمهم الله تعالى-.

وفي تقرير هذا المعنى، يقول ابن جرير: «وأَوْلى هذه الأَقوال بالصِّحة عندنا: قولُ مَن قال: معنى ذلك: إنِّي قابضُك مِن الأرض، ورافِعُك إليَّ، لتواتُرِ الأَخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «يَنْزِلُ عيسى ابنُ مريم فيقتل الدَّجَّالَ، ثم يَمْكُث في الأرض مُدّةً -ذَكَرَها، واختلفت الرِّواية في مَبْلَغِها- ثمَّ يموتُ فيصلِّي عليه المسلمون، ويدفنونه» .. » (٦).

وقال ابن عبد البرِّ: «الصَّحيح عندي في ذلك قولُ مَن قال: {مُتَوَفِّيكَ}: قابضُك مِن الأرض، لِما صَحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن نزولِه» (٧).

وقال القرطبيُّ: «والصَّحيح أنَّ الله تعالى رَفَعَهُ إلى السَّماء مِن غير وفاةٍ ولا نوم، .. وهو الصَّحيح عند ابن عبَّاس (٨)، وقاله الضَّحاك .. » (٩).

واختيارُ هؤلاء الأئمَّةِ لهذا المعنى -أعني: القبضَ- مع دَورانِه في كتاب الله على مَعنيين آخرين؛ هما: (قَبضُ الرُّوح)، و (قَبضُ حِسِّ الإنسان


(١) انظر «نظرة عابرة» للكوثري (ص/٩٣ ـ ٩٥).
(٢) انظر أقوال هؤلاء الأربعة في «جامع البيان» (٥/ ٤٤٨ - ٤٥٠).
(٣) انظر «الجامع في أحكام القرآن» (٤/ ١٠٠).
(٤) انظر «مجموع الفتاوى» (٤/ ٣٢٣).
(٥) انظر «فتح القدير» (١/ ٣٩٥).
(٦) «جامع البيان» (٥/ ٤٥٠).
(٧) «التمهيد» (١٥/ ١٩٦).
(٨) سيأتي الكلام عن رواية أخرى عن ابن عباس قريبًا فيها تفسيره للوفاة في الآية بالموتِ.
(٩) «الجامع لأحكام القرآن» (٤/ ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>