للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ من الأدلَّة القرآنية أيضًا على مَسألتِنا:

قول الله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} [النساء: ١٥٩].

فهنا الضَّمير في كِلا الموضعين منها يعود على عيسى عليه السلام، ودلالة السِّياق يدُلُّ على هذا الاختيار، لأمرين:

الأوَّل: أنَّ سِياق الآيات قبلها جاء في تقرير بطلان دعوى اليهود في زعمهم قتلَ عيسى عليه السلام، وبيان ضَلَال النَّصارى في تسليمهم لليهود فيما ادَّعَوه: بأنَّ الله نَجَّى نبيَّه، وطَهَّره مِن كيدِ أعدائِه، برفعِه حيًّا إلى السَّماء، وحصول القتلِ على شَبيهِه لا هو، وأنَّه سينزِلُ في آخرِ الزَّمان، فيكسر الصَّليب، ويضع الجزية، ولا يقبل إلَّا الإسلام، وحينئذٍ يُؤمِن به جميع أهل الكتاب، ولا يَتخلَّف عن التَّصديق به أحد منهم.

الثَّاني: أنَّ عَوْد الضَّميرين في {بِهِ} و {مَوْتِهِ} إلى عيسى عليه السلام هو الأَليق بالسِّياق والنَّظم؛ لأنَّ «عَوْد أحدهِما على غيرِ ما يعود عليه الآخَر فيه تَشتيتٌ للضَّمائر، وهذا مِمَّا يُنَزَّه عنه الكتاب الكريم» (١).

يقول أَبو حيَّان الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ): «الَّظاهر أنَّ الضَّميرين في {بِهِ} و {مَوْتِهِ} عائدانِ على عيسى، وهو سِياق الكَلام؛ والمَعْنِيُّ {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}: الَّذين يكونون في زمانِ نزولِه» (٢).


(١) «نظرة عابرة» للكوثري (ص/١٠٠).
(٢) «البحر المحيط» (٤/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>