للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ظاهرُ اختيارِ أبي هريرة رضي الله عنه؛ حيث ربَطَ بين روايتِه لنزولِه عليه السلام وهذه الآية؛ وكذا اختيارُ ابن عبَّاس رضي الله عنه (١)، وابن جرير (٢)، وابن كثير (٣).

وثالث الأدلَّة القرآنيَّة على نزولِ عيسى عليه السلام آخر الزَّمانِ:

قول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} [الزخرف: ٦١]؛ فالضَّمير في {وَإِنَّهُ} عائدٌ على عيسى عليه السلام، فيكون مَقصودُ الآية: إنَّ نزول عيسى عليه السلام إشْعَارٌ بقُربِ السَّاعة، وأَنَّ مجيئَه في آخرِ الزَّمان شَرْطٌ مِن أشراطِها.

وممَّا يؤيِّد عَوْد الضَّمير إلى عيسى عليه السلام في هذه الآية أُمورٌ:

الأمر الأوَّل: أنَّ سياق الآيات قبل هذه الآية في شأنِ عيسى عليه السلام، قال الله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلَاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} [الزخرف: ٥٧ - ٦١].

الأمر الثَّاني: أنَّ قراءة {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} بفتحِ اللَّام والعَين: تُوَطِّد هذا الاختيار، وهي قراءةُ ابن عبَّاس، وأبي هريرة، وقتادة، ومجاهد، والأعمش (٤).

الأمر الثَّالث: أنَّ هذا الاختيار يَشهد له ظاهر القرآن، وبه تتَّسق الضَّمائر، وتنسجم بعضها مع بَعْضٍ؛ ليس في هذا الموطن فقط، بل في جميع المواطن التي ذُكِر فيها عيسى عليه السلام.

الأمر الرَّابع: أنَّ هذا الاختيار تشهدُ له الأحاديث المتقدِّم ذكرها.

الأمر الخامس: أنَّ هذا القول احتفَل به جِلَّة مِن أئمَّة التَّفسير من السَّلفِ والخَلَفِ؛ كابنِ عبَّاسٍ، وأَبي هريرة، ومجاهد، وعكرمة، وأبي العالية، والحسن


(١) أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (٧/ ٦٦٤) من طريق سعيد بن جبير، وصحح إسناده ابن حجر في «فتح الباري» (٦/ ٤٩٢).
(٢) «جامع البيان» (٧/ ٦٧٢).
(٣) «تفسير القرآن العظيم» (٢/ ٤٧).
(٤) انظر «المحرر الوجيز» (٥/ ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>