للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما نصَّ عليه الحُسين بن الفضل البَجلي (ت ٢٨٢ هـ) (١) بقوله: «في هذه الآية نَصٌّ في أنَّه عليه السلام سينزِلُ إلى الأرض» (٢).

وأَمَّا مَن رَدَّ هذه الأَحاديث بزعمِ أنَّها نَتَاج «عُقْدة الانتظار» الَّتي نَبَعَت في أوَّل أمرِها عند اليهود، ثمَّ انتقلت إلى النَّصارى، ثمَّ تَسَرَّبت إلى المسلمين كما ادَّعاه (التُّرابي) ومَن تشرَّب فكرَه:

فخَطلٌ أن تُتَّهم أمَّة الإسلام بهذه البلادة وقد عصَمَها الله أن تجتمع على ضلالٍ؛ وقد تَحقَّق أهل الصَّنعة مِن صِحَّة تلك الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فضلًا عن غفلة صاحب هذه الشُّبهة عن أنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتَّابعين وتابعيهم كانوا يَبُثُّونها في الأمَّة؛ مع كونِ عصرهم عصرَ انتصاراتٍ وعِزٍّ وتمكين! فأيُّ انحطاطٍ كان يعيشه هؤلاء السَّادات القادة حتَّى يختلِقوا أكذوبةَ الانتظار؟!

وأمَّا وقوع الاتِّفاق بين أهل الإسلام وبين أَهل الكتاب في قضيَّةٍ عقديَّةٍ كهذه، فهذا أمرٌ لا يُستغرَب في الشَّريعة؛ ويقع مثله لبقاء بعض آثار النُّبوَّة في الدِّيانات السَّالفة، فيأتي خاتم الرُّسل صلى الله عليه وسلم بإقراره؛ وأيُّ مَوروث كِتابيٍّ مُرْتهَنٌ صحَّتُه بتصحيحِ دين الإسلامِ، المهيمنِ على الدِّين كلِّه (٣).

وأمَّا جملة شبهاتِ (بوهندي) في المعارضة الثَّالثة: من دعواه أنَّ القول بنزولِ عيسى عليه السلام متَّبِعًا لا مُشرِّعًا، يُلْزِم أهل السُّنة الوقوعَ في التَّناقض؛ لأنَّ مَن كان مُتَّبعًا لا يأمر النَّاس أن يؤمنوا به .. إلخ:

فكشف هذه الشُّبهة، يتحصَّل بعلمنا أنَّ مِن أُصول النَّظر في الدَّلائل الشَّرعيَّة النَّظرَ إليها «كالصُّورة الواحدة؛ بحَسَبِ ما ثَبت من كُليَّاتِها وجزئيَّاتها المرتَّبة


(١) الحسين بن الفضل بن عمير البجلي: مفسِّر معِّمر، كان رأسا في معاني القرآن، أصله من الكوفة، انتقل إلى نيسابور، وأنزله واليها عبد الله بن طاهر في دار اشتراها له (سنة ٢١٧)، فأقام فيها يعلم الناس خمسة وستين سنة؛ وكان قبره بها معروفا؛ انظر «الأعلام» للزركلي (٢/ ٢٥٢).
(٢) انظر «مفاتيح الغيب» للفخر الرازي (٨/ ٢٢٥).
(٣) انظر «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٥٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>