للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقيامِ القَواطِع عن امتناعِ ذلك؛ وعيسى عليه السلاملم يحدُث له هذا الوَصف، لأنَّه لم يَزَل مُتَّصِفًا به منذ أن تحلَّى به، ولم يُسلَب منه برفعِه إلى السَّماء.

يقول الآلوسيُّ: «هو عليه السلام حين نزولِه باقٍ على نُبوَّتِه السَّابقة لم يُعزَل عنها .. لكنَّه لا يَتعبَّد بها، لنسخِها في حقِّه وحقِّ غيره، وتكليفُه بأحكامِ هذه الشَّريعة أصلًا وفرعًا، فلا يكون إليه عليه السلام وَحيٌ ولا نَصْبُ أحكامٍ، بل يكون خليفةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاكمًا من حكَّام مِلَّتِه» (١).

وعلى هذا؛ فقول (بوهندي) أنَّ «أَصحاب الرِّوايات يَدَّعون أنَّ المسيحَ عندما يجيء في آخر الزَّمان لن يكون نبيًّا» لم يُسَمِّ قائلَه مِن أهل الحديث، وإلَّا فيبقى الشَّكُّ في تَقوُّلِ هذا المدَّعِي واردًا! وما أكثرَ التَّقوُّلَ في طائفتِه!

الأمر الثالث: زَعْمُ (بوهندي) أنَّ الرَّوايات تقول: (مَن لم يؤمن به عليه السلام يُقْتَلْ)؛ نقول له: أين في الرِّوايات الصِّحيحة ما يفيد أنَّ عيسى عليه السلام يقتل النَّاس حتَّى يؤمنوا به؟!

بل قتالُه للكَفَرة مِن أهل الكتاب وغيرِهم لتصيرَ الدَّعوى واحدة، وهي دعوى الإسلام؛ فعيسى عليه السلام إِنَّما يَدعو إلى دينِ الإسلام، لا إلى ذاتِه هو، قد دَلَّ على ذلك حديث أَبي هريرة: « .. فيقاتلُ النَّاسَ على الإسلامِ، فيدقُّ الصَّليب .. » الحديث (٢).

فقوله هنا: «على الإسلام»: صَريحٌ في نقضِ دعوى المُعترض، وأنَّ عيسى عليه السلام إنَّما يُقاتل دون نشرِ الإسلامِ مَن تصدَّى له، كما قاتلَ مِن قبلُ أخوه محمَّد صلى الله عليه وسلم دونَه.

وأمَّا جواب الاعتراض الرَّابع؛ أعني دَعوى المُخالف أنَّ عيسى عليه السلام لو كان ينزل في آخر الزَّمان متِّبِعًا لمحمَّد صلى الله عليه وسلم، فعليه أن لا يُغيِّر في شريعتِه شيئًا .. إلخ؛ فيُقال فيه:


(١) «روح المعاني» (١١/ ٢١٣).
(٢) أخرجه أبو داود في «السنن» (ك: الملاحم، باب: خروج الدجال، رقم: ٤٣٢٤)، وأحمد في «مسنده» (١٥/ ١٥٣، رقم: ٩٢٧٠)، وصحح إسنادَه ابن حجر في «الفتح» (٦/ ٤٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>