للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجري لا يستنكر النَّاس منها شيئًا»، فليس في حصولِ السُّجودِ منها ما يُعيق دورانَها وحركتَها.

يقول الخطَّابي: «لا يُنكر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده، وإنَّما هو خبر عن غيب، فلا نكذِّب به، ولا نكيِّفه، لأنَّ علمنا لا يحيط به .. فلا يُنكر أن يكون ذلك عند محاذاتها العرشَ في مسيرها .. وليس في سجودِها لربِّها تحت العرش ما يعوقها عن الدَّأبِ في سيرِها» (١).

وعلى هذا؛ فلا تناقض بين ما قُرِّر في الآثارِ مِن أنَّ العرش كالقُّبة على هذا العالم، وبين الثَّابت في هذا الحديث.

وأمَّا الشُّبهة الثَّانية: وهي دعوى المُعترِض انتفاء العقلِ والإدراكِ عن الشَّمس، فكيف تسجدُ سجودَ العاقل .. إلخ.

فالجواب عن ذلك أن يُقال:

ليس هناك ما يَمنع -لا نقلًا ولا عقلًا- أن يكون للشَّمسِ إدراكٌ يناسب حالها، ليتحصَّل به السُّجود والاستئذان، فالسُّجود والاستئذان الواقع من الشَّمس هو سجود حقيقيٌّ كما هو ظاهر الحديث، وليس سجودًا مَجازيًا بمعنى الانقياد كما ذهب إليه البعض (٢)؛ فإنَّ القول بالمَجاز خلافُ الأصلِ الظَّاهر، ولا يَصحُّ المصير إليه مع إمكانِ الحقيقة.

فسجود الشَّمس حَقيقةً واستئذانُها ممَّا يدخُل في مقدورِه تعالى بلا ريْبَ، وإذا اعتبرتَ الدَّلائل القرآنيَّة، تبيَّن لك أنَّ لهذه الجمادات وسائر الحيوانات -سوى العقلاء- إدراكًا يناسبُ حالهَا؛ فإنَّ الله سبحانه حين ذَكر أصناف الحجارة قال: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: ٧٤]، ولمَّا ذَكَر الطَّيرَ قال: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: ٤١].


(١) «أعلام الحديث» للخطابي (٣/ ١٨٩٣).
(٢) كما في «دفاع عن السُّنَّة» لـ د. أبو شهبة (ص/٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>