للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى باطنِها، لا أنَّ إحدى الكَفَّتَين تنعدم عند ظهور الأخرى، وهذا كما في الفلسفة الجديدة: أنَّ الحركات كلَّها لا تفنى، بل تنتقل إلى الحرارة .. » (١).

وأمَّا الجواب عن الشُّبهة الثَّالثة: وهي دعواهم باستحالةِ صدور شدَّة البردِ مِن جهنَّم؛ لكون ذلك مخالفًا لطبيعتِها؛ وإلَّا للزم الوقوع في التَّناقض، فيُقال فيه:

إنَّ ذلكَ يَصحُّ لو كانت النَّار الأخرويَّة نَمَطًا وشكلًا واحدًا كنار الدُّنيا، أَما مع اختلافهما فلَا، فنار الآخرة نار تتكلَّم وتغضب، دار أَعدَّها الله تعالى للعقاب، وهي دَرَكات وطبقات، قد حَوَت صنوفًا مِن العذاب الأليم، فلا يبعُد أن تكون شدَّة البرد مُنبعثةً مِن طبقةٍ زَمهريريَّةٍ مِن طبقات جهنَّم (٢)، فلا تناقض حينئذٍ.

وفيما سَبَق قريبًا من نصِّ الكشميريِّ نوعُ جوابٍ عن هذا الإشكال لِمن تأمَّله! فإنَّ شدَّة الحرِّ الَّتي يسبِّبها نَفَس جهنَّم في شطرِ الأرض، هو المُتسبِّب في شدَّة بردِها في شطرها الآخر، من جِهة دفعِ هذا لهذا، والله تعالى أعلم.

والَّذي ينبغي أن يُعلم على كلِّ حال، أنَّ مثار الغَلَط في هذه الدَّعوى يكمن في القياس الفاسد، الَّذي جعل من الواقع المشاهد معيارًا للحكم على الغائب وأَصلًا يُردُّ إليه، ولو مع تحقُّق الاختلاف بين الأصل والفرع! والله الهادي.


(١) «فيض الباري» (٢/ ١٤٢).
(٢) انظر «فتح الباري» لابن حجر (٢/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>