للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الكشميريُّ (ت ١٣٥٣ هـ): «تفصيل المقام: أنَّ الأسباب إمَّا ظاهرة أو معنويَّة، والأولى معلومة بالحسِّ والمشاهدة لا حاجة إلى التَّنبيه عليها، وإنَّما تدلُّ الشَّريعة على أسباب معنويَّة غير مُدركَة بالحسِّ، وهو الَّذي يليق بشأنها، فدلَّت على أنَّ معدِن الخير والسُّرور كلِّها هو الجنَّة، ومعدن المهالك والشُّرور كلِّها هو جهنَّم، فالخِزانة هي في الجنَّة والنَّار، وهذه الدَّار مُركبَّة مِن أشياء المعدنين، وليست بخزانة في نفسِها، فالحرارة وإن كانت في النَّظر الحسِّي مِن أجل الشَّمس، إلَّا أنَّها في النَّظر الغيبيِّ كلِّها مِن معدنها، فإذا رأيتهما أينما كان فهي من معدِنها» (١).

وأمَّا الجواب عن الشُّبهة الثَّانية: من دعواهم أنَّ الحديث يُصوِّر الأرضَ أنَّها ذات جوٍّ واحدٍ إمَّا صيف أو شتاء .. إلخ، فيُقال فيه:

ليس ذلك ظاهر الحديث كما تَوهم المُدَّعي، فالحديث دَلَّ على أنَّ لجهنَّم نَفَسَيْن في العام؛ وهذا ثابتٌ في نفسِه، وبالنِّسبة للمُخاطب بالحديث يكون أحد هذين النَّفَسَين في الصَّيف، والآخر في الشِّتاء، وما يحصل مِن الاختلافِ والتَّعاقب بين هذين الفَصْلين بالنِّسبة للكرة الأرضيَّة عند النَّاس لا يقدح في دلالة الحديث؛ لأنَّ تنوُّع النِّسب والإضافات لا يقدح فيما هو ثابت في نفسه (٢).

وللكشميريِّ زيادة مفيدة في جواب هذا الإشكالِ يقول فيها:

«إن قُلتَ: إنَّ الصَّيف والشِّتاء إذا دارا على النَّفَسَين، فينبغي ألَّا يكون شتاءٌ عند نَفَس الصَّيف، وبالعكس، مع أنَّهما يجتمعان في زمن واحدٍ باعتبار اختلاف البلاد.

قلتُ: ولعلَّ تنفُّسها بحرِّها مِن جانب وإرسالها إلى الآخر، فإذا تنفَّسَ من جانبٍ صار شتاءً، وإلى جانب صار صيفًا؛ ولعلَّ الحرَّ والبرد كيفيَّتان لا تتلاشيان أصلًا، بل إذا غلب الحرُّ دَفَعَ القَرَّ إلى باطن الأرض، وإذا غلَب القَرُّ دَفَع الحرَّ


(١) «فيض الباري» (٢/ ١٤١ - ١٤٢).
(٢) انظر «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٧٩٥ - ٧٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>