للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفَلَك وغيرها: هو خَبَرٌ عمَّن يبحث عن الحقيقة؛ وقد يصيبها، وقد يخطِئها، ومنهَج العقل يَقضي بتقديم خبر مالِك الحقيقة وخالقها على خبرِ مَن يبحث عنها ولا يملكها.

فالعقل المَهْديُّ يَعْلمُ يقينًا -بعد تحقُّقه مِن صحَّة ثبوتِ الخبرِ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم- أنَّه لا يمكن أن يقع ما نطق به الوحي معارضًا للحقيقة الحِسيَّة؛ فإن الحقَّ لا يتناقض، وإن كان في الحقِّ ما قد يُحار فيه! لِضَعْفِ مُدْركاتِنا عن الإحاطةِ بكلِّ حقيقة (١)؛ فهذا ابتداءً مِن جِهة التَّأصيل.

ومع ما قد سلَف التَّنبيه عليه في مبحث «إشكالية الاستشكال المعاصر» مِن «التمهيد»: من أنَّ المعارف البشريَّة عن الطَّبيعة بإطلاقها لا تُمثِّل المَرجعيَّة النِّهائية عن الكون وما فيه؛ فالتَّراكميَّة والنِّسبيَّة تكتنفان كثيرًا مِن معارفِ البَشر، الَّتي ترتكز على وسائل تخضع للتَّجدد والتَّطور، حتَّى يُحيلا ما ظُنَّ قَبلُ حقائقَ إلى كونِها لا تعدو أن تكون نظريَّاتٍ، فضلًا عن أن تكون فرضيَّات.

وعلى فرضِ التَّسليم بصحَّة التَّعليلِ الفلَكي الَّذي يطرحه أرباب الاختصاص تفسيرًا منهم لظاهِرَتي الحرارة والبرودة المُفرِطَتين على وجه الأرض: فإنَّ غايةَ ما يُقال هنا: إثباتُ أنَّ الشَّمس سببٌ ظاهرٌ لحصولِ مطلقِ الحرارةِ والبرودةِ على سطحِ الأرضِ، ولا يلزم مِن إثبات ذلك نَفْيُ أن تُعلَّل ظاهرة شدَّة البردِ والحرِّ بالسَّبب الغيبيِّ الَّذي أَخبر به الصَّادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ خبره قد جاء في خصوصِ شدَّةِ الحرِّ والبرد، لا عن مطلق الحرِّ والبرد! ولا تعارض بين السَّبَبَين الخاصِّ والعامِّ.

ثمَّ لا مانع أمامَنا مِن القول بأن تكون الشَّمس مِن النَّار وطاقتها مُستمدَّة منها، فتكون حرارة الصَّيف مِن الشَّمس، وحرارة الشَّمس مكتسبة مِن النَّار وآتية لها منها (٢).


(١) «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٧٩٤).
(٢) انظر «مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها» للقصيمي (ص/٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>