للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخَبر على غيرِ ظاهرِه الحقيقيِّ؛ وذلك ممَّا يُضعِف جانبَ القولِ بالمجازِ؛ لخروجِه عن المألوفِ في استعمالِه (١).

يقول الكوراني (ت ٨٩٣) (٢) في معرضِ استنكاره المجازَ في هذا الحديث: «قد تقرَّر في علم الكلام أنَّ قدرتَه تعالى نسبتُها إلى كلِّ الممكنات على السَّواء؛ فأيُّ وجهٍ لصرفٍ الكلامٍ عن الحقيقة والمعنى الجِزْل الدَّال على كمال القدرةِ إلى تلفيقِ التَّأويلات الرَّكيكة؟! وإنَّما يُصرف الكلام عن ظاهره إذا لم يستقم، أو كان في الصَّرف نكتةٌ» (٣).

فلِما سَبق ذكرُه مِن قرائنِ، يكون القول بإجراء الحديث على ظاهرِه أَسعد القولين بالصَّواب، وأعضدهما لعمومِ الخِطاب.

ولَئِن كان هذا الظَّاهر قد تَعسَّر على المعترض تقبُّله من الحديث، واحتجب عقله عن إدراك دلائله، أفلا كان الأَوْلى له ارتسام مسلكِ التَّأويل له، واتِّباعِ مَن قال بالمَجاز فيه مِن أولي العلمِ، ليتوافقَ الحديث مع ما يظنُّه بدَهيَّات بدل الطَّعنِ فيه؟!

وبعد؛ فقد آن الشُّروع في دفع ما سَبق سَوقه مِن دعاوي المعارضاتِ عن هذا الحديث، فنقول في الجواب عن:

الشُّبهة الأولى: وهي دعواهم أنَّ هذه الأَحاديث تخالف الحقيقة العلميَّة الَّتي تقضي أنَّ سبب الحرِّ وشدَّته وكذا البرد: متعلَّق باقترابِ أو ابتعادِ الأرض مِن الشَّمس، وبنحوِ ذلك مِن الظَّواهر الطبيعيَّة، فيُقال:

إنَّ هذه الأَحاديث خَبَرٌ مِن النَّبي صلى الله عليه وسلم المُوحَى إليه مِن مالِك الحقيقةِ وخالِقِ الكونِ ونظامه، سبحانه وتعالى، وما ساقه الطَّاعنون ممَّا تقرَّر في علوم الأحوالِ الجويَّة


(١) انظر «الاستذكار» لابن عبد البر (١/ ١٠٢)، و «فتح الباري» لابن رجب (٤/ ٢٤٤)، و «فتح الباري» لابن حجر (٢/ ١٧).
(٢) أحمد بن إسماعيل بن عثمان الكوراني: مُفسر ومحدث حنفي، كردي الأصل، من أهل شهرزور، تعلم بمصر رحل إلى بلاد الترك فعهد إليه السلطان مراد بن عثمان بتعليم وليّ عهده (محمد الفاتح)، وولي القضاء في أيام الفاتح، وتوفي بالقسطنطينية، وصلى عليه السلطان بايزيد، له كتب منها «غاية الأماني في تفسير السبع المثاني»، انظر «الطبقات السنية» للغزي (ص/٨٢).
(٣) «الكوثر الجاري» للكوراني (٢/ ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>