للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول باختلافِ زَمانَي الحديثين لا مَجال معه للقولِ بالتَّناقض، وبه يَلتئم الحديثان، بحيث يكون ما في حديث أبي سعيد الخدري تمنِّيًا منه صلى الله عليه وسلم ودعاءً، ثمَّ أخبرَ بعدُ عن تحقُّقِه في حديثِ العبَّاس.

يقول أبو العبَّاس القرطبي في شرحِ حديث الخدريِّ: «هذا المُترَجَّى في هذا الحديث قد تَحقَّق وقوعه؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: «وجدتُه في غَمراتٍ فأخرجتُه إلى ضَحضاح»، فكأنَّه لمَّا ترجَّى ذلك أُعطيَه، وحُقِّق له، فأخبرَ به» (١).

هذا على فرضِ أنَّ (لَعلَّ) في حديث الخدريِّ خارجةٌ مَخرجَ التَّرجي والاحتمال، وإلَّا فمَعلومٌ عند النَّحويِّين أنَّ (لعلَّ) و (عَسى) تأتيانِ في لسانِ العرب للإيجابِ والتَّحقيق أيضًا (٢)، ويحكُم في ذلك السِّياق والقَرائن، ولذا تَوارَد المُفسِّرون على القولِ بأنَّ (عَسى) و (لعلَّ) مِن الله واجبة التَّحقُّقِ (٣).

ثمَّ دعوى المُعترضِ بأنَّ الظَّاهرَ مِن حديث العبَّاس رضي الله عنه قيامُ النَّبي صلى الله عليه وسلم بالشَّفاعة لأبي طالب وهو في الدُّنيا، بينما حديث أبي سعيد رضي الله عنه يدلُّ على أنَّ ذلك سيكون في الآخرة: فهذا الَّذي حسِبه ظاهرًا مِن حديث العبَّاس حصرًا للنَّظر في صيغةِ الماضي في لفظِه صلى الله عليه وسلم: «ولولا أنا (لكانَ) في الدَّرَك الأسفل مِن النَّار»: ليس هو الظَّاهر المُراد! فقد مرَّ تقرير أنَّ الظَّاهر إنَّما يُستفاد مِمَّا تبادر إلى فهمِ المُخاطَب وسَبق إلى ذهنِه مِن معناه (٤)؛ وهذا يختلف بحسبِ السِّياق وما يُضاف إلى الكلام.

إذا تَبيَّن هذا: فإنَّ المُتبادرَ إلى ذهنِ القارئ العربيِّ المُلِّم بجميعِ الرِّوايات: أنَّ لفظ «كان» -وإن كان في أصلِه فِعلًا ماضيًا- فإنَّه في هذا الحديث مُفيدٌ لمعنى الاستقبال.


(١) «المفهم» (٣/ ٨٤).
(٢) انظر «حروف المعاني والصفات» للزجاجي (ص/٣٠).
(٣) انظر «جامع البيان» (١٥/ ٤٣)، و «التحرير والتنوير» (٥/ ١٧٨).
(٤) انظر (ص/؟)

<<  <  ج: ص:  >  >>