للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: «حديث أبي طالبٍ صَحيح، ولا مَعنى لإنكار الحليميِّ رحمه الله الحديثَ، ولا أدري كيف ذهبَ عنه صِحَّة ذلك! فقد رُوِي مِن أوجهٍ عن عبد الملك بن عمير، ورُوي مِن وجهٍ آخر صحيحٍ عن أبي سعيد الخدري عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، وقد أخرجه صاحبا الصَّحيح وغيرهما مِن الأئمَّة في كتبهم الصِّحاح» (١).

وأمَّا دعوى المُخالفِ في المعارضة الثَّانية: أنَّ الدَّرْك الأسفل مِن النَّار منزلة المنافقين خاصَّة:

فليس له ما يُسعِف به دعواه إلَّا مُجرَّد نفي أن يُسمِّي القرآن معهم فيه آخرين؛ ومَعلوم من حيث الأصول أنَّ ذكرَ بعضِ أفرادِ العامِّ لا يَلزم منه تخصيص (٢)، والآية تخلو مِن أيِّ أسلوب قصرِ، فليست تمنع وجود قومٍ سِوى المنافقين في تلك الدَّركة؛ بل لا مانع أن يُشاركهم فيها غيرهم مِمَّن يُساميهم في الإجرامِ، أو الاستخفاف بالدِّينِ والخديعةِ للمسلمين، ممَّن شاء الله أن يُغلِظَ لهم العذاب.

يقول أبو العبَّاس القرطبي عن هذا الدَّركِ: «هو أشدُّ أطباقِ جهنَّم عذابًا -يعني الدَّركَ الأسفل- .. وكان أبو طالبٍ يَستحقُّ ذلك؛ إذْ كان قد عَلِم صدقَ النَّبي صلى الله عليه وسلم في جميع حالاتِه، ولم يخفَ عليه شيءٌ مِن أموره، مِن مَولِده، وإلى حينِ اكتهالِه» (٣).

وأمَّا الدَّعوى الثَّالثة في توهُّم تعارضٍ بين حَديثِيْ العبَّاس والخدريِّ، لمَجيء الأوَّل بالجزمِ، والثَّاني بالرَّجاء والارتياب:

فهي دعوى لا يَصحُّ النَّظر فيها إلَّا أن يُثبت المُخالف أنَّ الحديثين قِيلَا في زَمنٍ واحدٍ، أو أنَّ مَخرجهما واحدٌ على الأقلِّ؛ ودون هذا خَرط القتاد!


(١) «شعب الإيمان» (١/ ٤٤٤).
(٢) انظر «البحر المحيط» للزركشي (٤/ ٣٠٠)، و «إرشاد الفحول» (١/ ٣٣٦).
(٣) «المفهم» (٣/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>